قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الخسارة الأفدح للولايات المتحدة

×

لا شك في أنالضرر الهائل الذي وقع على صورة الذهنية والسمعة تمثل أكبر خسارة تواجهها الولاياتالمتحدة جراء الأحداث التي شهدتها مؤخرًا، واقتحام بعض مؤيدي الرئيس دونالدترامب مبنى الكونجرس، في واقعة حظيت بتنديد ورفض من غالبية الساسة الأمريكيين، ديمقراطيين وجمهوريين، حيث وصفها الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، المشهد بأنه "مقزز ومفجع"، وقال بوشفي بيان نقلته "سي إن إن" إن "هذه هي الطريقة التي يتم بها الخلاف على نتائجالانتخابات في جمهورية الموز، وليس جمهوريتنا الديمقراطية. لقد روعنيالسلوك المتهور لبعض القادة السياسيين منذ الانتخابات وعدم الاحترام الذي يظهراليوم لمؤسساتنا وتقاليدنا ولتطبيق القانون"، وحذر بوشفي بيانه من أن التمرد يمكن أن يلحق ضررا جسيما بأمتنا وسمعتنا، وناشد الناس "بأن يتركوا المسؤولين المنتخبين من قبل الشعب يقومونبواجباتهم ويمثلون أصواتنا بسلام وأمان"، بينما القى الرئيس الأمريكي السابق باراكأوباما باللوم على الرئيس دونالد ترامب في أحداث الكونغرس، قائلا "على الرغم من أنها مخزية، لم تكن مفاجئة"، كما انتقد مسؤولون في الحزب الجمهوري ماحدث في مقرالكونجرس، وقال النائب مايك غالاغر إنمشاهد الاقتحام تذكرنا بـ"جمهورية الموز"، كما قال السيناتور بن ساسي "للأكاذيب عواقب والعنف كان أمرا حتميًا، وانتقد السيناتور الجمهوري ميت رومني ما وصفه بأنه "تمرّد حرّض عليه رئيس الولايات المتحدة".



الخسارةالأمريكية تبدأ من الحقيقة التي يعرفها الجميع وهي أن ما يعرف بالقيم الأمريكية هيجزء لا يتجزأ من قوة الولايات المتحدة ومكانتها التي سمحت لها بتبوأ مقعد القوىالعظمى الأولى التي تقود النظام العالمي القائم، والحرية والديمقراطية تقع في قلبهذه القيم وتمثل جوهر النموذج القائم على "الديمقراطيةالليبرالية"، والذي يفاخر الأمريكيون به العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فالقوة الناعمة الأمريكية ترتكز على دعائم عدة منها الحرية والديمقراطية وغيرها، وهي في مجملها دعائم تمثل مقومات ما يعرف بالحلم الأمريكي.



النموذجالأمريكي يقوم بالأساس ـ كما يروج له ـ على الحكم الديمقراطي، ويضمن للجميع الحريةوحكم القانون وسيادة الشعب وصناديق الاقتراع، التي أصبحت مصدر الخلاف والانقسامبين مكونات الشعب الأمريكي، بعدما وجه إليها الرئيس الحالي ترامب عشرات الاتهاماتبأنها لا تعكس إرادة الشعب الأمريكي، حتى أصبح مشهد الانقسام الكبير العلامةالأبرز التي تصدرها وسائل الإعلام الأمريكية للعالم!



المشكلةليست في الخلاف على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بل في إدارة هذا الخلافونقله إلى الشارع الأمريكي ومحاولة الاحتكام إليه في حسم هذه النتائج لمصلحةالرئيس الجمهوري دونالد ترامب، لتصبح الولايات المتحدة في مواجهة أزمة سياسيةعميقة لن تنتهي بتصديق الكونجرس على هذه النتائج، لأن الواقع يقول أن هناك عشراتالملايين من الناخبين قد صوتوا لمصلحة رئيس يؤكد لهم ليل نهار أن أصواتهم "سُرقت"، أو "زُيفت" في إطار مايزعم أنه مؤامرة نفذها الحزب الديمقراطي!



وبالتالي،فإن تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن لن ينهي الأزمة، ولن يعالج آثارها، بل فقطيعالج الجوانب الاجرائية بحيث تمضي عجلة المؤسسية في مسارها الصحيح، ولكن يبقىالتحدي الأكثر صعوبة في معالجة الخسائر الفادحة التي ترتبت على ماحدث عالميًا،وترميم الصورة الذهنية للديمقراطية الأمريكية في عيون شعوب العالم، فضلًا عن ـوهذا هو الأهم باعتقادي ـ معالجة الشروخ والصدوعات العميقة التي أصابت المجتمع
الأمريكي جراء هذا الصراع السياسي غير المسبوق
.



التشكيك فينموذج الديمقراطية الأمريكي لا يعني فقط التشكيك في أساسيات النموذج وفلسفتهوآلياته التنفيذية، بل يعني تشكيكًا موازيًا في كل ما ترتب عليه مؤسسيًا، لاسيما على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية، إذ تنصب واشنطن نفسها "وصيًا" على الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق الانسان في العالم، وتصدر في سبيل ذلك تقارير تصنف ممارسات الدول وسلوكياتها، ويترتب على هذه التصنيفات نتائج وعواقب في غايةالأهمية سواء بالنسبة لعلاقات الولايات المتحدة مع هذه الدول، أو بين الدول وبعضهاالبعض، أو بين الدول والمنظمات الدولية المتخصصة، التي ينظر معظمها للتقاريروالتقييمات الأمريكية في هذه الموضوعات والقضايا باعتبارها مرجعًا استرشاديًا مهمالا تستطيع القفز عليه أو تجاهله عند تقييم ممارسات الدول في هذا الشأن.



بالأخير،قام الكونجرس الأمريكي بالتصديق على فوز الرئيس بايدن بمنصب الرئاسة، وطي صفحةترامب، ولكن الخسارة المعنوية الأمريكية تبقى فادحة، فقوة النموذج تنحسر، ودعائمهتتداعى، ومن الصعب الدفاع عما شهده "الكابيتول" من أحداث تنتمي إلى "جمهورياتالموز" كما وصفها العديد من الساسة الأمريكيين أنفسهم، ومهمة
الرئيس المنتخب جو بايدن في استعادة الثقة وترميم الندوب العميقة التي شوهت سمعةبلادها ومكانتها عالميًا، تبدو صعبة للغاية وتحتاج إلى جهد كبير من الحزبين،الديمقراطي والجمهوري، ومن النخب السياسية والاعلامية والأكاديمية الأمريكية كافة
.