الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أمان قحيف يكتب: الدين في مناهج التعليم

صدى البلد

كتب الشاعر النابه ، واللغوي المدقق ، والمفكر التربوي ، الأستاذ الدكتور مصطفى رجب منشورًا يشير فيه إلى مسألة تدريس مادة التربية الدينية في مدارس التربية والتعليم والجامعات المصرية .

ولا يخفى أن هذا الموضوع يعد مشكلة تثير إشكالية من الإشكاليات المتعددة التي يعاني منها التعليم غير الأزهري في بلادنا .. وهي مشكلة تتناولها الأقلام والأفهام كل حين من الدهر غير أنها لم تجد الحل المناسب لها حتى لحظة كتابتنا لهذه السطور.

ولاشك أن من الأهمية بمكان أن يتحاور أهل الفكر وحملة الأقلام حول هذه القضية في محاولة جادة للوصول إلى أفضل الحلول وأنسبها لهذه المشكلة أو تلك القضية .

 والحق أن لنا رؤية في هذا الشأن تقوم على ضرورة أن تتبنى الدولة تشكيل الثقافة الإسلامية للتلاميذ والطلاب غير الأزهريين  ، وتعمل على صياغة معارفهم الدينيةصياغة وسطية رصينة من خلال تعليمهم الدين وتدريسه لهم عبر مقررات جادة ، وهادفة ، ومتنوعة الجوانب والأبعاد .

فمن الضروري تدريس العلوم الدينية كاملة - أو أغلبها -  خلال السنوات الدراسية المتوالية ؛ وذلك بدءًا من الصف الأول الإعدادي إلى نهاية الدراسة الجامعية بمختلف تخصصاتها الإنسانية والعملية التطبيقية .

وعلى سبيل المثال نرى أن نقوم بتدريس مادة الفقه لكل طالب حسب مذهبه في سنة دراسية ، ومادة التوحيد في سنة ، ومادة السيرة في سنة ، وكذلك الحديث ، وأصول الفقه ، والفِرق الإسلامية القديمة ، والأخلاق الإسلامية ، والتيارات الفكرية المعاصرة ، وتاريخ حضارتنا ... وهكذا . وأن نقوم بعمل نفس العمل بالنسبة لأبنائنا من الطالبات والطلاب المسيحيين .
 
ويجب الاعتماد في هذه المقررات على التكريس لفكر التسامح ، وقبول الآخر ، والإيمان بالتعددية ، والتيسير .. وذلك من خلال مؤلفات معتمدة تتصف بالدقة ، والرصانة ، والمنهجية السليمة .

ونرى أنه يجب علينا جعل هذه المواد أساسية وتدخل في المجموع وتقديرات النجاح .. ويقوم بتدريسها أساتذة أكفاء على مستوى متميز من العلم والتخصص ، ويفضل أن يكونوا من حملة الماجستير والدكتوراة الموثوق في فكرهم وتوجهاتهم الدينية والسياسية .. ولا مانع من تعيين كوادر جديدة بالتربية والتعليم لتدريس هذه المواد وتلك المقررات .

ونتصور أننا نستطيع - من خلال ذلك - تجفيف منابع الفكر المتطرف الذي لا يعرف إلا التشدد والتطرف والعنف ويبتعد عن الوسطية والتسامح ؛ لأن الخريج في الكليات العملية والنظرية سيحصل بهذا الشكل على قدر معقول من المعرفة الدينية التي تسمح له بمناقشة أفكار المتشديين ، وتخلصه وتنجيه من حالة الانبهار التي يشعر بها الشباب عند التقائهم ببعض المثقفين دينيًا المنتمين إلى تيارات وتشكيلات تعتمد التشدد منهجًا وسبيلًا ؛ إذ من المعروف أن من أسباب نجاح بعض الجماعات في جذب الشباب أنهم حفظة للقرآن الكريم أو معظمه وحفظة للعديد من الأحاديث النبوية الشريفة ، وهذه معارف عندما يسمعها مَن لم يدرس إسلاميات بالقدر الكافي يشعر أنه أمام أشخاص لديهم غزارة معرفية في مجال الدراسات الدينية فينبهر بهم ، ولا يقدر على مجاراتهم ، وبالتالي يدخل أمامهم تحت منهج لا تناقش ، وقل سمعنا وأطعنا .

ونشير إلى أن هذا الأمر لا يحدث في الأغلب الأعم مع خريجي جامعة الأزهر حيث يتوافر لديهم القدر الكافي من المعرفة الدينية التي تسمح لهم وتعينهم على مناقشة أفكار المتطرفين والمتشددين ونقدها ، بل ونقضها من الأساس ، وبالتالي رفضها وإنكار أطروحاتها ؛ لذا فإن من اللافت أن أكثر منتسبي الجماعات الراديكالية المتشددة ليسوا من خريجي جامعة الأزهر ولا من خريجي الكليات التي تفتح المجال للدراسات الإسلامية ككليات الحقوق ودار العلوم والآداب في أقسام اللغة العربية والفلسفة الإسلامية بفروعها المتنوعة ( كعلم الكلام ، والتصوف ، والأخلاق الإسلامية ، وتارخ العلوم عند العرب المسلمين ) . 

وهناك جانب آخر لابد أن نشير إليه وهو أن تدريس مؤسساتنا التعليمية للتربية الدينية بعمق وتنوع لا يقي شبابنا وأجيالنا الصاعدة من الوقوع في براثن التطرف والتشدد فحسب بل يقيهم الوقوع في فخ الفكر التواكلي ، الاتكالي ، التقاعسي ، الذي يروج له بعض أتباع الطرق الصوفية ممن فهموا التصوف الإسلامي فهمًا خاطئًا ، وجعلوه بمثابة الهروب من مشكلات الحياة ، وبالتالي الخروج أو الانسحاب والانسحاق أمام التنافس الحضاري .

ونتصور أن هذا المنهاج يتيح لنا أيضًا مواجهة نزعات الإلحاد والعلمانية المتطرفة التي يسقط في فخها أولئك الذين ليس لديهم من الفكر والمعرفة الدينية ما يزرع في قلوبهم اليقين ، ويجعل لديهم القدرة والمقدرة على مواجهة الشكوك والشبهات التي يثيرها كل مَن أراد بمجتمعاتنا سوءًا ؛ لأن جامعاتنا ستُخَرِّج عندها أجيالًا تؤمن بالوسطية والاعتدال القائمين على الوعي العقلاني المستنير.

وبالتالي تعم وتنتشر مدرسة الإحياء والتجديد ، ويسود اتجاه العقلانية المؤمنة في ربوع بلادنا ، الأمر الذي يجنب مجتمعنا العديد من المشكلات ويخلصه من العديد من مظاهر التشدد والتراجع الأخلاقي .. والموضوع مطروح للنقاش بين العلماء والمفكرين التربويين والمعنيين بالعملية التعليمية في بلادنا ، والله من وراء القصد .