الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد الغنام يكتب: البطالة والتقنية الحديثة حول العالم

صدى البلد

هل تزداد البطالة في ظل التسارع وتوغل التقنيات الحديثه حول العالم؟
من المسؤول عن ذلك واين حقوق الانسان؟ في ظل التسارع  وازدياد الاستثمارات المذهلة والمتنامية بشكل شبه أسطوري في مجالات التقنية الحديثة بصورة عامة، وفي مجال الذكاء الصناعي بصورة خاصة ومحددة، وذلك بدعوى تطوير وتقديم حلول جديدة وعملية للأعمال من أجل رفع مستوى الكفاءة الإنتاجية والفاعلية وتحسين الإنتاجية، للحصول على رضا وولاء أكبر شريحة ممكنة من العملاء والمستهلكين والمتوقعين مستقبلًا.

 مع كل هذا، يأتي الثمن الاجتماعي الباهظ والمكلف جدًا والمتلخص في الأعداد الهائلة من الناس الذين يتم تسريحهم من وظائفهم بحجة تبني العمل بنظام يعتمد على الذكاء الصناعي، وفي حالات أخرى على نظام الإنسان الآلي المعروف باسم الروبوت في حالات الخطوط الإنتاجية للمصانع، وهنا يتكون الصراع الأخلاقي المبادئي الذي يواجهه النظام الرأسمالي في صميم جوهره، والذي يتمثل في كيفية تبني منظومة تطوير أعمال باستخدام التقنية الرقمية الحديثة والمتطورة ويكون أحد أخطر وأهم آثارها الجانبية تسريح كم مهول من البشر بحجة الاستبدال التقني والتوفير.

إنه التحدي الحقوقي الجديد، الذي سيحلق بالمفهوم القيمي لحقوق الإنسان إلى مستويات عليا وغير مسبوقة أبدًا هناك كتاب مثير ومدهش ومميز للكاتب دانييل ساسكيند المحاضر الاقتصادي بجامعة أوكسفورد العريقة بالمملكة المتحدة بعنوان: «عالم بلا عمل» التقنية وكيف يجب أن يكون ردنا»، يتعرض بعمق وتدقيق للهواجس والمخاوف التي يواجهها العالم التوظيفي اليوم في مواجهة شلالات الإحلال التقني في شتى المجالات بوتيرة متصاعدة جدًا.

هذه الهواجس ليست بجديدة، فلقد ظهرت مع بدايات الثورة الصناعية واستخدامات محركات البخار المتعددة، مرورًا بمحرك السيارات المتطور، وصولًا للحاسب الآلي، وبقيت هذه الهواجس والمخاوف موجودة رغم كون التحذيرات والتوقعات السلبية لم تتحول إلى حقائق ملموسة، ولكن الكاتب ساسكيند يؤكد ويثبت بالوثائق العلمية والأرقام والبيانات أن الوضع هذه المرة مختلف تمامًا، والمهن البشرية مهددة أكبر من أي وقت مضى، لأن التقنية المستخدمة اليوم غير مسبوقة في قدراتها وفي إمكانياتها.

 فالذكاء الصناعي الموظف آليًا لم يعد يفكر مثل الإنسان حتى يتفوق عليه في الأداء ولكنه يقوم بعدة وظائف منها تشخيص الأمراض إلى كتابة مذكرة قانونية، إلى تأليف سيمفونية موسيقية، وهذا أخطر تهديد للتوظيف البشري، لأن الإحلال لن يكون فرديًا بل جماعيًا وبشكل فوري وثوري وهنا سيكون للقانونيين أدوار جديدة وغير مسبوقة في تكوين مظلة حمائية للعمال والموظفين وإن كانت بمعايير ومفاهيم أكثر تطورًا وجدية مع وضع النقابات العمالية مع الشركات المصنعة للسيارات في العالم الغربي بعد دخول خطوط الإنتاج الآلية التي قلصت أعداد العمال فيها بشكل جدي وخطير تسبب في اضطرابات شعبية أدت إلى تغييرات سياسية كبيرة ومهمة.

التحدي الجاد هو البقاء على التقنية التي حسنت مناخ الإنتاج في تقديم السلع والخدمات لقاعدة عظيمة جدًا من العملاء والمستهلكين، وساعدت أيضًا في تكوين ثروات مبهرة لمؤسسي الشركات المقدمة للتقنية والمساهمين فيها صغارًا وكبارًا مع إبقاء فرص التوظيف المتنامية والاستقرار والأمان الوظيفي وعدم اعتبارها «خطرًا وتهديدًا» على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

مؤسس شركة «آبل» عملاق التقنية الأميركية المعروفة الراحل ستيف جوبز مقولة بالغة الأهمية وعميقة الدلالة «إذا رغبت في التفوق على خصمك والتفوق على منافسك في عالم الأعمال عليك ألا تقوم بالعمل نفسه بشكل أفضل ولكن عليك أن تقوم بالعمل نفسه بشكل مختلف»، وهذا هو التحدي الأخلاقي، فنجاحات تقوم على خروج عريض للناس من وظائفهم لا يمكن أن يعول عليه مهما كانت الإحصائيات والأرقام مبهرة وبراقة ومدهشة.

عالم الأعمال المعتمد على التقنية الحديثة والذكاء الصناعي وعالم الحقوق في طريق تصادمي لا يمكن إغفاله أو إنكاره، ويبقى فقط عنصر الوقت والظروف التي ستحدد المواجهة وشكلها.

التاريخ لا يرحم وسيكتب الحقبة التي نعيشها وسيذكر فيها النجاحات التقنية المبهرة، ولكن إذا ما ظل الصمت الحقوقي مستمرًا سوف تتزايد الصراعات وتكثر البطالة وينتشر الارهاب بوجود النفوس الضعيفة والسعي خلف المال بطرق شتي.