الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: دماء على أعتاب الكابيتول

صدى البلد

مازال الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته "دونالد ترامب" مُصرًا على انتهاك كل الأعراف السياسية الأمريكية العريقة، فمنذ ترشحه للانتخابات الرئاسية في المرة الأولى أمام هيلاري كلينتون، وهو ينتهج طريقة جديدة بعيدة تمامًا عن أساليب الساسة الأمريكيين التي اعتاد العالم عليها منذ ارساء النظام الديمقراطي الأمريكي وتقلُد "جورج واشنطن" رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية كأول رئيس مع اقرار الدستور الأمريكي الذي يُعمل به إلى الآن منذ عام 1789، فقد كانت طريقة "ترامب" الشعبوية والهجومية وعدم احترامه للتقاليد أهم السمات التي ميزته عن كافة رجال السياسة الأمريكيين على مر التاريخ، وربما هذا ما زاد من شعبيته وإعجاب الكثيرين به أول الأمر، لكنه كلما كان الوقت يتقدم كانت تتكشف جوانب شخصيته المثيرة للجدل، ولم تتوقف تلك الممارسات على كونها صراعًا انتخابيًا ينتهي بمجرد الوصول إلى المنصب، بل إنها ظلت تتمدد حتى وصلت إلى مرحلة الذروة التي واكبت إعلان خسارته للانتخابات الرئاسية الأخيرة التي لم يكن يتوقع ولا يأتي - حتى - إلى ذهنه أنه يمكن أن يخسرها، والآن وبعد مرور أكثر من شهرين على هذه الخسارة وهو لا يستطيع تصديق ذلك، بل إنه لم يتخوّف من استخدام كل الأساليب والطرق لإيقاف نتائج هذه الانتخابات بشتى السبل...

 وقد بدأ التعامل مع نتائج الانتخابات التي خسرها بشكل متدرج بدءًا من الضغط الإعلامي والتغريدات التي تدّعي تزوير الانتخابات متناسيًا أنه هو مَن في السلطة، وليس منافسه!، ثم سَيره في اجراءات التقاضي بشتى درجاته لمحاولة اثبات أي حالة للتزوير يستطيع بها ايقاف نتائج الانتخابات ولو لبعض الوقت، ولما لم يستطع ذلك، حاول الضغط على بعض سكرتيري الولايات لتعديل النتيجة لصالحه، وقد تم تسريب مكالمة تليفونية له مع سكرتير ولاية "جورجيا" في هذا الصدد، وعندما لم يتمكن من ذلك حاول التأثير على بعض أعضاء المجمع الانتخابي لتغيير النتيجة فلم يستجب أحد منهم لدعواته، وهنا لم يتبق له إلا محاولة الضغط بشكل غير قانوني أو دستوري على نائبه "مايك بينس" باعتباره رئيسًا لمجلس الشيوخ بحكم منصبه على عمل أي محاولة لعرقلة التصويت في الكونجرس وايقاف اعتماد النتيجة في السادس من يناير الجاري، وهو ما رفضه السياسي المخضرم "مايك بينس"... 

لم يتوقف ترامب المدهش عند محاولاته المستميتة، فطفق يخطب في أنصاره ويؤجج مشاعرهم داعيًا اياهم أن يقوموا بالتظاهر لتعطيل عمل الكونجرس في التصديق على نتائج الانتخابات التي يزعم تزويرها لصالح منافسه الديمقراطي "جو بايدن" حتى حدث ما كان يصبو إليه منذ البداية، فاستطاع الرعاع الهجوم على مبنى الكابيتول ومحاصرة النواب بداخله مما تسبب في مقتل أربعة من المحتجين وأحد رجال الشرطة في مشهد دموي مثير، كان ممكن أن يتحول إلى مذبحة لو لم يتم تدارك الأمر سريعًا، لكنه - بلا شك - قد لطخ راية الديمقراطية بتلك الدماء التي أريقت على أعتاب الكابيتول الذي يمثل رمزًا لأعرق الديمقراطيات في العالم...

لحسن الحظ أن هذا المشهد لم يمتد لوقت طويل أو إلى أماكن أخرى، لكن يُحسب للنواب من مجلسي النواب والشيوخ الاصرار على انفاذ القانون واتباع القواعد الدستورية، ولم يتركوا مبنى الكابيتول إلا وقد صدّقوا على نتائج الانتخابات بفوز "جو بايدن" بها واستحقاقه بأن يتم تنصيبه رئيسًا يحمل الرقم 46 للولايات المتحدة الأمريكية

وبعدما انتهى الأمر وأدرك "ترامب" أنه لا مناص من ترك البيت الأبيض وتسليم السلطة، لم يتوقف عن ممارساته وإصراره على ضرب كل الأعراف في مقتل، غير مبالٍ بأي نتائج لأفعاله الغريبة، فأعلن عبر تويتر عن عدم حضوره لمراسم التنصيب الرئاسي المزمع إجراؤها في العشرين من يناير الحالي في سابقة لم تحدث من قبل مثل باقي السوابق التي انتسبت إليه ولم تحدث من قبل منذ أن قام بالترشح لانتخابات الرئاسة عام 2016

تُرى هل يعود "ترامب" إلى رشده قبل حفل التنصيب ويحاول أن يحفظ ماء وجهه بالاعتراف بنتائج الانتخابات ويحضر المراسم كما يحدث في كل مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، أم أنه لن يستمع إلى صوت العقل ويظل على هذا العِند والخلاف المستمر لجميع الِقيم الديمقراطية المتعارف عليها في السياسة الأمريكية ولا يحضر مراسم التنصيب فاتحًا على نفسه كل أبواب المحاسبة الموصدة بعد تركه السلطة.