الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: لا ترقصوا على رماد دموعنا

صدى البلد

كثيرة هي أوجاعنا نحن النساء في هذه المنطقة التي نعيش فيها وعليها منذ آلاف السنين وحتى الوقت الحاضر. ورغم أن المنطقة حاول الكثيرون من الذين فكروا أن يحتلوها منذ غابر الأزمان وحتى الآن هم كثيرون، لكن كافة محاولاتهم باءت بالفشل وخرجوا من بلداننا ولو بعد حين. وكانت المرأة دائما وأبدًا هي من انجبت الأبطال الذين حاربوا هؤلاء المحتلين بمختلف مسمياتهم وألوانهم ومشاربهم. المحتلون ذهبوا إلى غير رجعة كلهم ولكن بقيت المرأة هي صاحبة هذه الأرض.


المرأة التي كانت هي المنتجة للعلوم والزراعة وبناء المجتمعات وقوانينها لا زالت مستمرة في عطائها من دون مقابل، لأنها تعلم جيدًا أن ذلك من أهم مسؤولياتها وواجباتها في حماية المجتمع والإنسان من أي شرور تحيط به، إن كان داخليًا أو خارجيًا.


كانت المرأة آلهة في ميزوبوتاميا وأرض الكنانة ومن أخذت باقي المدنيات والحضارات علومهم الدينية ليتعبدوا للآلهة على الطريقة الفرعونية والميزوبوتامية. من ستيرا وعشتار وإنانا ونينهورساج وحتى إيزيس وماعت وغيرهن الكثيرات من الآلهة اللواتي كن يتعبدن في المعابد، كانت وما زالت المرأة هي واهبة المعنى للحياة بكل فروعها المعنوية والمادية على حدٍ سواء.


رغم ما نعانيه الآن من تجاهل واستصغار من قبل أصحاب العقلية الذكورية والذين يسعون لفرض ذكوريتهم على النساء تحت مسميات عديدة أكانت قوموية أو دينية، هذا لا يعني أننا مقتنعات بما يقولونه وأننا النساء لا يمكننا أن نتنازل عن مستوانا الذي كنا فيه من أجل إرضاء شهوات بعض الذكوريين السلطويين الذين يبنون مجدهم على حساب أجساد النساء في كل مكان.


جعلوا من المرأة جسدًا بعد أن سرقوا الروح منها وتم تحجيمها بألف وسيلة وأسلوب فقط من أجل ينتقموا من ذاتهم الأنانية التي لا تحب إلا ذاتها وشهواتها. كثيرة هي فتاويهم التي أعمت بصيرتهم قبل بصرهم وهم فيها جاهلون فاقدي الوعي والإدراك.


ما تعيشه المرأة الآن يمكن اعتباره مرحلة مراجعة الذات قبل أن تكون راضية عنه كما السابق. واعتقد أنها مرحلة عصيبة ومخاضها كبير وآلامها ربما تكون مؤلمة جدًا، إلا أنه علينا نحن النساء تجاوز هذه المرحلة التي تم فيها استغباءنا بألف شعار وفتوى فقط من أجل أن يستهلكوا قدراتنا وطاقاتنا خدمة لسلطويتهم التي لا تشبع نهمهم وجشعهم. لا يمكن استرضاء المرأة بمنصب وزاري او برلماني هنا أو مؤسساتي وخدماتي هناك إن كان في الجامعة أو المدرسة أو مكان آخر. فهذا لا يمكن اعتباره إعطاء ومنح المرأة حقوقها بقدر ما هو أحد حقوقها التي لا منية لأحد عليها مطلقًا. وكذلك لا يمكن لمرأة واحدة اعتلت وزارة حكومة سلطوية ذكورية، بأن المرأة بات لها مركزها.


لم تكن تاتشر ولا ميركل المسترجلتين تمثلان النساء في أي شيء سوى في شكلهما، لكن جوهرهما لم تكونا سوى نسخة مسخة من العقلية الذكورية السلطوية التي هدفها إشاعة الحروب والفوضى في كل مكان من أجل مصالح القوى التي تقف خلفهما. نفس الأمر ينطبق عندنا أيضًا إن كانت المرأة في سوريا. بثينة شعبان وغيرهن ممن ارتضى أن يكن بوقًا لنظام لم يحترم شعبه وكرامته، كيف لنا أن نتقبلها كمرأة تمثل النساء جميعًا. وهي في نهاية المطاف تنفذ ما يقال لها من توجيهات من القصر الجمهوري فقط.


وكذلك المعارضة لا تختلف عن عقلية النظام بشيء سوى استغلالها للمرأة كحالة استهلاكية للترويج على انهم مع حقوقها. حقوق لا تتعدى حدود المطبخ وانجاب الأطفال وأخذ صورة سوداء تمثل حالتها وجوهرها قبل شكلها. طرفان نقيضان في تعاملهما مع المرأة طرف بلبوس قوموي والآخر بلبوس ديني وكِلاهما وجهان لعملة واحدة وهي القضاء على المجتمع من خلال القضاء على حرية المرأة وعنفوانها وألوهيتها التي كانت يومًا ما وجعلها أسيرة فتاوي شيوخ السلطان وقصور الزعماء.


المرأة منذ مئات السنين تبكي دموعًا ومًا على الحالة التي وصلت لها جراء ما يقوم به الذكوريين الذين يدعون الرجولة في أنهم مع حقوقها إن هي أطاعتهم، أو يتم رجمها إن هي خرجت عن السياق الحدود التي رسمت لها. النساء تبكي من الحالة التي وصلتها إن كانت بضغط خارجي أو قبولها هي لهذا الواقع المر، لتبقى النتيجة واحدة.


رغم هذه اللوحة المأساوية إلا أنه في الطرف الآخر ثمة الكثيرات من النسوة لا يقبلن بهذا الواقع ورفضنه بكل هيجان وحماس وأنهن يحاولن التخلص منه وإن كانت الخطوات بطيئة، ليبقى للمرأة شرف المحاولة على التخلص من القاع الذي هنَّ فيه. لذا، نقول لمن ما زال متمسك بعقليته الذكورية بأن صبرنا بدأ ينفذ من مواقفكم وتقرباتكم السطحية من المرأة وأن لا ترقصوا على رماد دموعنا فرحًا بنصركم الوهمي، لأن ما يخفيه الرماد من جمرات ثورة ربما تحرقكم في نهاية المطاف. كفوا عن الرقص المميت على رماد دموعنا وانصتوا لصوت الطبيعة والوجدان والآلهة النساء في فجر التاريخ لتعرفوا من كنا ومن سنكون.