ما الفرق بين المرأة والزوجة في القرآن الكريم؟ سؤال حائر بين كثير من الناس،وردت كلمتا «الزوجة والمرأة» في القرآن الكريم، ولذلك لحِكمة ذكرها أهل البلاغة وهي: أنه عند استقراء الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظان، نلحظ أن لفظ «زوج» يُطلق على المرأة إذا كانت الحياة الزوجية تامّة بينها وبين زوجها، وكان التوافق والاقتران والانسجام تامًّا بينهما، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي.
فإن لم يكن التوافق والانسجام كاملًا، ولم تكن الزوجية متحقّقة بينهما، فإن القرآن يطلق عليها «امرأة» وليست زوجًا، كأن يكون الاختلاف دينيًا عقديًا أو جنسيًا بينهما.
ومن الأمثلة التوضحية على ذلك، قول الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، (الروم:21)، وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» [الفرقان:74].
وبهذا الاعتبار جعل القرآن حواء زوجًا لآدم، في قوله تعالى: «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ» (البقرة 35)، وبهذا الاعتبار جعل القرآن نساء النبي صلى الله عليه وسلم «أزواجًا» له، في قوله تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» [الأحزاب: 6].
فإذا لم يتحقّق الانسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسمّي الأنثى «امرأة» وليس «زوجًا»،حيث قال القرآن: «امرأة نوح، وامرأة لوط»، ولم يقل: «زوج نوح أو زوج لوط»، وهذا في قوله تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا» [سورة التحريم: آية 10]، موضحًا أنه ذكر ذلك لأنهما كافرتان، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي، ولكن كفرها لم يحقّق الانسجام والتوافق بينها وبين بعلها النبي، ولهذا ليست «زوجًا» له، وإنما هي «امرأة» تحته.
اقرأ أيضًا:
ولهذا الاعتبار قال القرآن: «امرأة فرعون»، في قوله تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» (سورة التحريم 11)، موضحا: لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية، فهي مؤمنة وهو كافر، ولذلك لم يتحقّق الانسجام بينهما، فهي «امرأته» وليست «زوجًا».
ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين «زوج وامرأة» ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، أن يرزقه ولدًا يرثه، فقد كانت امرأته عاقرًا لا تنجب، وطمع هو في آية من الله تعالى، فاستجاب الله له، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة.
وعندما كانت امرأته عاقرًا أطلق عليها القرآن كلمة «امرأة»، وقال تعالى على لسان زكريا: «وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا» سورة مريم الآية 5، وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه، وأنه سيرزقه بغلام، أعاد الكلام عن عقم امرأته، فكيف تلد وهي عاقر، قال تعالى: «قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء» (سورة آل عمران الآية 40).
وحكمة إطلاق كلمة «امرأة» على زوج زكريا عليه السلام أن الزوجية بينهما لم تتحقّق في أتمّ صورها وحالاتها، رغم أنه نبي، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة، وكانا على وفاق تامّ من الناحية الدينية الإيمانية، ولكن عدم التوافق والانسجام التامّ بينهما، كان في عدم إنجاب امرأته، والهدف «النسلي» من الزواج هو النسل والذرية، فإذا وُجد مانع بيولوجي عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب، فإن الزوجية لم تتحقّق بصورة تامّة، ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر، فإن الزوجية بينهما لم تتمّ بصورة متكاملة، ولذلك أطلق عليها القرآن كلمة «امرأة».
وبعدما زال المانع من الحمل، وأصلحها الله تعالى، وولدت لزكريا ابنه يحيى، فإن القرآن لم يطلق عليها «امرأة»، وإنما أطلق عليها كلمة «زوج»، لأن الزوجية تحقّقت بينهما على أتمّ صورة، قال تعالى: «وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ» (سورة الأنبياء الآية 90).
والخلاصة: أن امرأة زكريا عليه السلام قبل ولادتها يحيى هي «امرأة» زكريا في القرآن، لكنها بعد ولادتها يحيى هي «زوج» وليست مجرّد امرأته.