الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معبودة الجماهير


عام 1967 كانت أجواء النكسة قد ألقت بظلالها على الوطن العربي بل وعلى كل عربي في جميع دول العالم، وكان برونو كوكاتريكس مالك ومدير صالة الأوليمبيا في ذلك الوقت قد انتهجت مؤسسته من منتصف الستينيات سياسية الانفتاح على موسيقي العالم حيث التنوع وزار كوكاتريكس القاهرة قبل حرب67 والتقي بوزير الثقافة المصري الذي اقترح عليه استضافة الأوليمبيا لأم كلثوم فتساءل كوكاتريكس من هي أم كلثوم لتغني على مسرح الأوليميبا أحد أهم قاعات العروض بأوروبا فرد عليه أنها أيقونة الشرق التي يجتمع على حبها الملايين من المحيط للخليج.

 

ذهب كوكاتريكس إلى فيلا أم كلثوم في الزمالك يقترح عليها إقامة حفلين يومى 13و15 نوفمبر 1967 إلا أنه فوجئ بطلبها أجرا لم يدفع لأي فنان عالمي حتى تاريخه وهو ما كان محل اختلاف ولكنه في النهاية رضخ لطلبها.

 

وعندما حدثت نكسة 67 ظن كوكاتريكس أن أم كلثوم لن تحيى الحفلتين المتفق عليهما إلا أنه فوجئ بإصرارها على إحياء الحفلات فسيدة الغناء العربي عقدت العزم على التبرع بأجر حفلاتها كاملة للمجهود الحربي.

 

وبدأ التجهيز للحفل ومع الأجر الكبير لكوكب الشرق اضطر مسرح الأوليمبيا لمضاعفة ثمن التذاكر التي كانت تتراوح في ذلك الوقت بين 30 إلى 50 فرنكا فرنسيا إلى 300 فرنك لتحقيق المردودية التجارية إلا أنه اصطدم بحقيقة أن الغالبية العظمي من العرب المقيمين بفرنسا لا يستطيعون شرائها ف300فرنك هو ثمن خيالي بحسابات هذه الحقبة نظرا لمستواهم المادي المحدود.

 

 فعندما بدا كوكاتريكس في طرح التذاكر وبعد مرور شهرين لم تبع التذاكر فلم يكن أحد يتوقع أن تغرد الست خارج الوطن أعقاب النكسة ليستشعر كوكاتريكس خطورة الخطوة التي أقدم عليها بالاتفاق مع أم كلثوم بهذا الأجر الخيالي واعتبرها صفقة خاسرة فلم يسبق له طيلة مسيرته الطويلة أن شعر أنه على حافة الإفلاس مثلما شعر بذلك في صفقة أم كلثوم.

 

لكن وما إن وطأت قدم كوكب الشرق عاصمة النور وتأكد إحياءها الحفلتين حتي بدأ توافد الحضور من كل الأطياف والطبقات العمال بجانب السفراء والأمراء والمغتربون العرب يتوافدون من جميع أنحاء أوروبا إلي باريس وتم مد جسور جوية خصيصا بين دول الشرق الأوسط وباريس لنقل المريدين لفن الست.

 

الفرنسيون احتلوا 20% من المقاعد رغم حاجز اللغة، اليهود الشرقيون حضروا بكثافة الأمر الذي أثار دهشة مدير المسرح فسأل أحدهم عن سبب وجوده في حفل عائده موجه لدعم جيش مصر فأجابه إنها أم كلثوم.

 

 وحفل استحق أن يسجل في ذاكرة التاريخ فلم يسهر الأوليمبيا الذي حقق أكبر دخلٍ في تاريخه الطويل حتى هذا الوقت المتأخر من خريف 1967 فقد كانت الساعة الثانية صباحا والجمهور لا يبالي رغم أنه في وقت كهذا تكون باريس كلها في حالة سبات، ولكن داخل المسرح ذو الكراسي الحمراء في تلك الليلة الأمر مختلف فالست تشدو والحضور مسحور فقد استطاعت سيدة الغناء العربي أن تسيطر على قاعة الأوليمبيا تحت سحرها لمدة خمس ساعات بين التنهدات آن والدموع آن آخر.

 

 لقد عاش هذا المكان العديد من الأمسيات لكن هذه المرة اهتز المسرح بطريقة جديدة، وبدلا من الإحساس بالهزيمة كان صوت أم كلثوم تجسيدا لمصر المنتصرة مبددا لآثار العدوان.

 

 لم تنته رحلة فرنسا عند هذا الحد ولم يتوقف الاحتفاء بأم كلثوم في فرنسا طيلة أسبوع بعد حفلتها التي وصفها الفرنسيون بالحدث الاستثنائي ولما لا فالمبدع استثنائي وقد كرمها الرئيس الفرنسي شارل ديجول في رسالة وصفا فيها الست (بضمير الأمة) خصصت لها الصحف الفرنسية صفحات كاملة من بينها جريدة لوموند التي جاء عنوانها عندما تغنى آلهة الفن المصري أم كلثوم تهتز الرؤوس من شدة النشوة كما تهتز أغصان النخيل على النيل.

 

كانت الفنانة الوحيدة التي تستقبل استقبال الملوك والرؤساء وتتجلى فيها عظمة مصر وهي الرمز العربي الذي توحد عليه العرب أنه وهج امرأة فاقت في هيمنتها على الشعوب حدود السيطرة صنعت المستحيل وكسرت الحواجز الجغرافية وأزالت الهوة بين الطبقات الاجتماعية في العالم فسحر صوتها الرؤساء والأمراء العمال والفلاحين الأثرياء والفقراء.

 

ويمر عام على ميلاد أيقونة الإبداع كوكب الشرق وهي المتربعة بلامنازع على عرش الأغنية العربية التي رفعت بعد67 شعار الفن من أجل المجهود الحربي فلم ينته عام 1970  إلا وقد أودعت أم كلثوم في الخزينة المصرية 520 ألف دولار.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط