الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ


في القرآن الكريم نقرأ آيات تصور لنا بعض المشاهد التي ستحدث يوم القيامة، ومنها مشهد إجابة داعي الله الذي يدعو الخلق كلهم للقاء الله فلا يستطيعون أن يمتنعوا ولا أن يبطئوا، فمثلًا نحن في الدنيا إذا جاء بعض الناس الداعي من السلطة ليأخذه إلى مكانٍ ما للقاء صاحب السلطة فإنه ليس في إمكان المطلوب من الناس أن يرفض، ولنا أن نتخيل رد فعلنا إذا جاء الداعي من الله في الآخرة.

قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) طه 108، وخشوع الصوت بمعنى سكونه، فمثلًا في الدنيا يعلو صوت الإنسان أحيانًا على صوت الآخرين بسبب تكبره أو تمرده، ولكن يوم القيامة لن نسمع لأحد صوتًا لشدة هول الموقف.

مشهد لا يغيب عن بال كل من يرجو الله واليوم الآخر، فيعمل ويسعى بالكلم الطيب والعمل الصالح لأجل ذلك اليوم، حيث تقف كل الوجوه من إنس وجن وملائكة في حالة ترقب، الجميع في انتظار بدء أحداث ذلك اليوم العظيم، والجميع لا يملكون حتى أن يحولوا وجوههم.

قال تعالى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) طه 111، الفعل (عَنَتِ) يصف هيئة الوجوه من ملامح نشعر بها ونتصور هيئة تلك الوجوه وقد علاها القلق والذعر والخوف والفزع مع الترقب.

وقد جاء الفعل (عَنَتِ) مسبوقًا بكلمة "ما" في موضعين، الأول في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) آل عمران 118،
والثاني في قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) التوبة 128.

وفي موضع ثالث بدون "ما"، في قوله تعالى: (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة 220.

كما جاءت كلمة عنت معرفة بالألف واللام "العنت"، في قوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) النساء 25.

(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ)، الوجوه معرفة لأنها معلومة ومحددة على كثرتها، وهى وجوه كل المخلوقات من إنس وجن وملائكة: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) مريم 93-95، والسماء ليست فقط السماء الدنيا بل كل السماوات، فالملائكة ضمن المخلوقات التي تشملها السماوات. 

وفي يوم القيامة تصبح المخلوقات كلها في حالة يقظة وحياة بعد بعثهم من الموت، وهم يدركون جيدًا معنى أن يكون الله وحده هو الحي وقت موتهم، ووقتها سيدركون الفرق بين من يدير الكون ولا يعجزه شيء في السماوات والأرض، وبين ما هم عليه من ضعف وعجز وخوف، حتى أنهم لا يستطيعون التحكم في مسار أعينهم أو وجوههم.

تصور هذا المشهد يجعلنا ندرك ما يتطلبه هذا الموقف من فهم حقيقي لدورنا في الحياة، ولذلك فالذي يريد النجاة والفوز في الآخرة يجب عليه أن يستعد لهذا الموقف، بالاستقامة، والعمل الصالح، وفهم كتاب الله، والعمل به. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط