الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كلام مش مهم


يقول أرسطو: "إن الرغبة العاقلة هى التى تنشأ عن الشهوة والعقل"، وطالما أن الإنسان يرتبط بكثير من الشهوات فيجب تسليط الضوء ناحية أهم تلك الرغبات والشهوات التى قلما تجد أنها مرتبطة بالعقل والضمير والحق.


هذه الشهوة من وجهة نظرى هى ــ شهوة الكلام من أجل الكلام ــ لا من أجل الإيضاح والتفنيد والتدقيق والتأمل، بل من أجل إثبات الذات بالحديث دون فعل وعلى حساب آخرين من البشر الذين لا حول لهم ولا قوة، وليس لديهم أى ذنب سوى أنهم يعيشون مع أشخاص نزعوا من قلوبهم الرحمة بل نزعوا قلوبهم نفسها ووضعوا مكانها حجارة لا تنبض، فهم بالأساس أحياء لا يعيشون، بل هم أموات لا يدركون.


إن الحديث والكتابة وتسليط الضوء ناحية الأشخاص الذين لا يملكون إلا ألسنة كاذبة وقلوبا متحجرة لهو أوانه الآن، لأن الجميع بلا استثناء فى مجتمعاتنا العربية يعيش حالة من السخط والحقد والكراهية والفوضى الأخلاقية دون داع ودون مبرر، فالجميع انشغل بالجميع ولم يعد أحد ينشغل بحاله ومن يعول، والحالة السائدة عند العامة هى المهاترات الكلامية التى تُشعر صاحبها أن له قيمة ووزنا مع أن وزنه أخف من الريشة على بساط الأرض الممتدة.


وإذا نظرنا الى العيون المتسعة بحق لترى الخير خيرا والشر شرا وتضع كل شىء فى نطاقه ونصابه الحقيقى، تلك العيون ترى أن الجميع يسخط والجميع يتهم والأغلب يرى وهو أعمى لأنه أعمى عن الحقيقة، بل إن الجميع لا يرى الخير ويفتعل الشر والأقاويل والجميع يرصد دون علم ودون واقع بل دون أساس، والجميع يبتدع فرضيات ومناهج ويستنبط ويخمن ويحقق والنتيجة لا ترتبط بالعلم ولا المناهج الكونية ولا بالمناهج الاستنباطية والنتيجة أيضا صفر.


إننى أرى فى هذا العالم كلاما كثيرا لا يرصد علم الكلام ولا يرصد واقعا، إنما يرصد زيفا ويرصد جهلا ويرصد فقرا فى المعرفة ويرصد عناوين كثيرة أخجل أن أكتبها فى مقالى هذا، بل أرى أشخاصا يضعون أنفسهم فى أقفاص خشبية وأحيانا أقفاصا حديدية لأنهم يصنفون أنفسهم من خلال أفعالهم وتصرفاتهم وحديثهم غير المبرر، فئران تارة وخنازير تارة أخرى ولا يعرفون للإنسانية معنى ولا قيمة.


فى عالمنا كلام كثير لا ينتمي الى ذي أهمية ولا هو بالمهم ولكننا نتعايش لكى نعيش وفى نفس الوقت نسعى للحياة الكريمة دون هذا الكلام، فإذا كان الكلام والحديث ليس له أهمية فما الداعى له طالما أنه يهدم ولا يبنى ويأخذ ولا يعطى، فالكلام فى أغلب الأحيان يمكن استخدامه كقذائف لإطلاق الصواريخ التى من شأنها إشعال الحروب وعدم إخمادها إلا بعد موت الجميع دون استثناء.


بل إن الكلام غير المهم من وجهة نظرى مرض مُعدٍ يعاني صاحبه ويعانى من حوله بهذا المرض والجميع يخشى أن يصاب بالعدوى التي قد تدمره وتجعله كالوباء الذي يهدد الجميع، فالأمراض المعدية أشد فتكا وألما من طلقات الرصاص وقذائف المدافع، وأصحاب الألسنة الطويلة هم وباء ينتشر بيننا كالنار فى الهشيم، لذلك يجب إخماده بعودة القيم الدينية والمجتمعية والإنسانية المفتقدة.


إننى أدعو كل من يضع نفسه فى منصب المتحدث أن يقف على عتبات كلماته ونظرياته وأن يعى ما يقول بحق وأن يدرك ما يصرح به قبل أن يمر على لسانه وأذان من حوله، لأن الكلمة مسئولية وقليل منا يدرك حجم هذه المسئولية الملقاة على عاتق الجميع ولكن لا يتحملها إلا القليل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط