الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا


في مكة وقت نزول القرآن اعتاد كفار قريش أن يطلبوا معجزات مادية تثبت لهم صدق الرسالة: (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا..) الاسراء90، ومن تلك المعجزات: (..أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا) الاسراء92، فقد طلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتي بالله تعالى وبالملائكة. 


ومع أن طلب المعجزة لم يتحقق، إلا أننا نقرأ في القرآن آية عن مجيء الله يوم القيامة، قال تعالى: (كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا. وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) الفجر 21-22، المعنى المباشر أن  الله تعالى سيأتي يوم القيامة ومعه الملائكة: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ). 


لكن مجيء الله يختلف في معناه عن معنى المجيء للإنسان، لأن صفات الله تختلف عن صفات الإنسان، فمثلًا كلمة (هو) بالنسبة للإنسان تعني الغائب، ولكنها بالنسبة لله تعني الحاضر: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الحديد 4. 


وأن ضمير الملكية بالنسبة للإنسان يعني ملكيته للشيء، ولكن ضمير الملكية في كلمة ربي: (لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي..) الكهف 38، يعني أن الله تعالى هو الذى يملكني وليس العكس.


وأن فعل الأمر يعني الأمر في خطاب الإنسان للإنسان، أما في خطاب البشر لله فهو يعني الرجاء والدعاء. 
ولذلك فإن مجيء الله تعالى يوم القيامة يعني العكس، بمعنى مجيء الناس لله تعالى، فقد تكرر في القرآن الكريم أن مصيرنا الى الله: (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) آل عمران 28، وأن مرجعنا اليه: (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يونس 56، وأننا اليه محضرون: (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) يس 32.

 
وفي يوم القيامة يتم تجميع الناس: (ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ) هود 103، ثم يتم عرضنا صفًا على الله تعالى: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) الكهف 48، وهذا ما يوضح لنا فهم معنى (مجيء الله) والذي يعنى مجيئنا نحن الى الله يوم القيامة.
ويتم الإتيان بالأنبياء والشهداء للحساب: (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء..) الزمر 69.


إذن (وَجَاءَ رَبُّكَ) تؤكد معنى أن البشر سيؤتى بهم الى الله للحساب وقد فقدوا حريتهم واختيارهم، وقد بدأ ذلك منذ لحظة الاحتضار حيث يفقد الإنسان حريته وقدرته على الاختيار، ويموت ويظل فاقدًا لحريته في البعث وفي الحشر وفي الحساب، فإذا دخل الجنة تمتع بحريته فيها، وإذا كان من أصحاب النار فقد حريته للأبد، فيدفع ثمن اساءته لاستخدام حريته في الحياة الدنيا: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) الفجر 23. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط