إنالذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد، هكذاوصف أميرالشعراء أحمد شوقي اللغة العربية تلك اللغة الفضفاضة الثرية التي تصل مفرداتها لأكثرمن 12 مليون كلمة مقارنة باللغات الأخرىهي لغة أصيلة ضاربة في التاريخ عميقة الجذور متفردة بحجم المؤلفات التي كتبت عنها حتى أصبحتالمكتبة اللغوية العربية من أكبرالمكتبات اللغوية في تاريخ العالم.
استطاعت اللغة العربية أن تحافظ علي بقائهاوأن تتكيف علي مدار ما يزيد علي 15 قرنا حيث تفرعت منها لغات عديدة محلية وعامية أعلاهاالفصحي، مثلت حلقة الوصل بين جميع أبناءالأمةالعربية من المحيط للخليج والجسر الذي حمل الثقافة العربية وامتداداتهاالتاريخية لقرون عديدة فكانت حاضنة وحارسة للتاريخ والهوية حملت العربية شعلة النور فأضاءتبه ظلمات العصور الوسطى في أوروبا وتسيدت حضاريا وانسانيا.
وازدهار وثراء شهدته اللغة العربية تأليفا وأدباوشعرا ما بين القرن الثاني الهجري حيث بداية الاهتمام بلغويات وجماليات اللغة بصدور كتاب النحو العربي لسيبويه والمعجمات للفراهيدي حتي توالت المؤلفات العربية فاصبح التأليفبالعربية وعن العربية سمة بارزة لنجباء هذا العصر إلىأنابتلي العرب بالسيطرة العثمانية، وكانت أكثر الفترات بوصف علماء اللغة ضمورا وفقرا في تاريخ الأدبالعربي إلىأنبدأتملامح التخلص منه مع القرن الثامن عشر فانتقلت التجربة اللغوية من الإحياءللتجديد ثم الحداثة واستمر هذا الثراء إلي أن وصلنا للربع الأخير من القرن العشرين حتي تبدلت ملامح اللغة ووصلنا لحالة قبح نالت من قيمة اللغة وهيبتها ولم يعد التعامل يليق بمكانتها.
ففقدت المؤسسات الثقافية والتعليمية دورا هاما في تعزيز وتعميق دور اللغة في ظل عدم التطور في أساليب تعليمها ومناهجها بحيث أصبحتمادة جامدة لا تتماشي مع الواقع المعاصر عكس طرق تدريس اللغات الأجنبية وشيئا فشيءتراجعت العربية وتقدمت عليها اللغات الأخرى وصارت اللهجة العامية بديلا عنها إضافة إلىتغير التركيبة الثقافية للمجتمع بتوغل الثقافات الوافدة.
وعانت العربية من عقوق أهلها وتنكرهم لها واستعلائهم عليها فالبعض هجرها إلى اللغات الأجنبية من باب الوجاهة الاجتماعية والبعض الآخرانتهجوا العامية الدارجةبديلا عنها وآخرينأدخلوا عليها كلمات ومصطلحات أجنبية لتظهر لنا لغة ثالثة لا علاقة لها بالعربية من قريب أو بعيد.
وازدادت أحوالهاسوءا بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وكان التقهقر المهين لمفردات اللغة بتشوه كلماتها وتدني معانيها في ظل غياب النخب اللغوية فقضي علي البقية الباقية منها وقلب موازينها عند قطاع كبير من المتحدثين بها بسبب التداول اللغوي الإلكتروني الخاطئ الذي يتسم بالتساهل في استعمال اللغة ويحمل ركاكة وأخطاء لغوية فادحة.
وبدلا من أن يقوم الإعلاموالفن بالارتقاء بالمستوي اللغوي ساهم في إفسادجمالها وأصبح ناقلا للقبح والفجاجة وابتعد عن الجماليات بكافة أشكالها إلا من رحم ربي ولم يعد التعامل باللغة العربية يليق بمقامها الرفيع
وحين تضمحل اللغة الأم تضمحل الأممفهي التاريخ والهوية وبدونها يحكم على الماضي بالقتل محوا ونسيانا ويتم الاقتلاع من الجذور ونصبح أمة بلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل فاللغة تظل خالدة حين يعتز بها أهلها ويعلمونها لأبنائهم جيلا بعد جيل.. فرفقا بلغة الضاد.