ما أكثر الشباب الذين يتمتعون بصحة جيدة وبكامل قواهم الجسدية والعقلية والنفسية، ولكنهم لا يستخدمون تلك القوة في عمل يفيد الآخرين ويدعمهم ويُكمل نواقصهم، وكم منهم يجلس على فراشه ويأخذ مصروفه من والديه ولا يدخل سوق العمل بحجة عدم وجود وظائف بشهاداتهم العلمية الحاصلين عليها.
وخلال شهر الاحتفال بأبطالنا من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين خصصت لهم الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٩٢، يوم الثالث من ديسمبر كل عام للتعريف بذوي الإعاقة وبحقوقهم في المجتمعات بمختلفها على مستوى العالم، نتحدث اليوم عن شاب ثلاثيني من أبناء محافظةسوهاج، وهو أحد ذوي الإعاقة البصرية، لكنه استخدم إعاقته لتكون سبيلًا لنجاحه وتقدمه وإختلافه وتميزه عن الآخرين.
"أنا إعاقتي البصرية متعوقش بصيرتي في شيء.. كل منا فيه حاجه مميزة عن الآخرين ولازم نبحث جوانا لحد ما نلقاها"، بهذه الكلمات بدأ محمد ابوطالب، في العقد الرابع من العُمر، يتحدث ل"صدى البلد" عن كيفية تميزه في حياته العلمية والعملية والشخصية، حيث إنه تخرج في كلية الآداب قسم الدراسات الإسلامية، كما أنه باحث ماجستير بكلية التربية، ولم يكن هذا القدر الكافي من العلم الذي يقف عنده الشاب بل يرى أن العلم هو البحر الوحيد الذي لا يستطع المُبحر فيه الوصول إلى الشاطئ.
كان الشاب يطمح في إيجاد مكانًا لمُساعدة ذوي الإعاقة البصرية في السنوات التعليمية، ولكنه لم ينتظر كثيرًا بل اشتغل على نفسه في تقوية مهاراته بالكمبيوتر بعد أن أهداهُ والده جهاز كمبيوتر عقب نجاحه في الثانوية العامة، فأخذ الطالب يجتهد في معرفة كل ما يخص الحاسب وكيفية التعامل معه حتى أصبح من شاربيه وهاضميه جيدًا.
ويعتبر الجميع "ابوطالب" مهندس كمبيوتر فكل من يواجه عطلًا في جهازه بالعمل أو البيت يستعين به حتى يُصلحه له سريعًا فهو من أمهر الأشخاص الذين يتعاملون مع أجهزة الحاسب، كما أنه يُتقن الكتابة على الوورد والأوفيس والأكسيل، كما أنه يتعامل مع الطابعة لطباعة الكُتب بطريقة برايل،"فى مركز نور البصيرة تم افتتاحه في ٢٠٠٦
وتابع: كنت فيه من البداية وكنت سعيد أوي أن اللي انا طلعت ملقتهوش غيري هيطلع يلقاه".
ويأخذ مركز نور البصيرة المناهج من الكليات والفرق المُلحق بها طلاب من ذوي الإعاقة البصرية، ويُعيد كتابتها على الأجهزة الخاصة بالمركز، ثم يتم طباعتها بطريقة برايل، ومحمد ابوطالب، هو أحد الشباب القائمين على هذه العملية بالمركز، حيث يكتب الكتب على جهازه ثم يطبعهم بطريقة برايل ويُكعبهم ويُغلفهم؛ حتى تصل إلى يد الطلاب بما يستحقون.
وأوضح باحث الماجستير أن كتاب برايل يصل إلى أيدي الطلاب والطالبات دون دفع قرشًا واحدًا من ثمنه.
"مينفعش استسلم لحاجة ربنا قدرها ليا وأكيد أنه خلقني عشان ليا لازمة في الوجود وإلا مكنتش ابقى موجود بينكم حاليًا... كل انسان اتخلق له دور ربنا خلقه عشان يقوم بيه فكل واحد فينا لازم يشوف دوره في الحياة إيه عشان يلتزم بيه على أكمل وجه بقدر استطاعته"، هذه هى الكلمات الذي كان يتلفظ بها ابن سوهاج وهو في غاية السرور لم تُفارقه ابتسامته ابدًا، هذه الإبتسامة التي تدل على الرضاء بكل ما قسمه الله له في الحياة.
وفاز محمد ابوطالب بمبلغ ١٠٠ ألف ريال سعودي، خلال مشاركته منذ خمسة سنوات في برنامج من سيربح المليون، الذي يُقدمه الإعلامي الشهير جورج قرداحي.