قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي


في القرآن الكريم يبين لنا تعالى مشهدًا من مشاهد يوم القيامة: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى. يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) الفجر 24، المشهد يصور رؤية الإنسان لنار جهنم ووقتها سيتذكر المواقف التي مر بها في حياته ولم يكن يهتم لها أو كان ساخرًا منها وكافرًا بها.

يوم القيامة لن ينفعه الندم رغم أنه سيقول: (يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)، وقتها سيعلم أن الحياة الدنيا ما هي إلا حياة اختبار وغير دائمة، لذلك يتحسر لأنه لم يقدم لحياته الأبدية والتي سيكتشف أنها الحياة الحقيقية.

الإنسانالخاسر هو الذي أضاع حياته عبثًا ولم يقدم عملًا صالحًا ينفعه في حياته الخالدة في الآخرة، أضاع حياته الدنيوية غافلًا، ثم يخرج من حياته الدنيا بعمل سيء يتعذب به في النار، قال تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) الزمر 56.

وحينما يؤمن الإنسان بالآخرة ويدخل الموت في حساباته يرى التعب راحة والعطاء أخذًا، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) الفرقان 27.

فالزمن يمضي بسرعة، وعندما يدخل الموت في حسابات الإنسان اليومية تنعكس الموازين، فالإنسان الذي يتعب نفسه في العمل الصالح قد يقال له: لماذا لا ترتاح؟، والرد أن الراحة ليست هي الهدف، بل الهدف هو العمل الصالح.

في الأصل كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، لكن النفوس تنحرف، والشهوات تشتعل، والمصالح تتضارب، فالإنسان لو كان له عقل فقط لم تكن هناك أية مشكلة، لكنه يجمع بين العقل والشهوة، الإنسان فيه نفخة من روح الله، وفيه قبضة من تراب الأرض، فيه نوازع عليا، وفيه شهوات سفلى، جهاده لنفسه أنه يجمع بين المتناقضين، بين شهوة تحركه، وبين قيم يصبو إليها، تراب الأرض يشده إلى الأرض: (وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاه) الأعراف 176.

والنفخة من روح الله تشده إلى القيم العليا، فالإنسان يعيش في قلق عندما ينغمس في إمتاع نفسه بالشهوات المادية يشعر أن هناك شيئًا يخالفه، يبحث عن شيءٍ مفقود لو أعطى نفسه هواها، يختل توازنه، ولا يستعيد توازنه إلا إذا عرف الله.

فالموت مصير كل إنسان، وكل مخلوق له بداية، وله نهاية، في الحياة تكون الاختيارات كثيرة، أما عند الموت فلا يوجد إلا اختيار واحد، إما جنة، وإما نار، وحينما نؤمن بالله إيمانًا حقيقيًا تنعكس المقاييس، ويصبح التعب هو الراحة، والعطاء هو الأخذ، والإنفاق هو الكسب، وننجو من الندم على ما فاتنا يوم لا ينفع الندم.