الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ


مازال البعض يتساءل عن فهم قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ) لقمان 34، والذي يتكلم فيه عن علم خاص بالله تعالى فقط، وذلك في ضوء استخدام الطب الحديث لجهاز "السونار" في الكشف عن نوع الجنين وتتبع نموه ومعرفة ما به من مشاكل جسدية، مما يجعل البعض يعتقد أن الطبيب يشترك في العلم بما في الأرحام. 


وقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ)، يعني العلم الإلهي الشامل الذي يشمل كل الأرحام وليس مجرد أرحام النساء من البشر، ولكن أرحام كل من تلد من مخلوقات: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات 49.
ولذلك فالعلم الإلهي ليس مجرد علم بما في الأرحام من جنين ذكرًا كان أو أنثى، بل كل ما هو في داخل الرحم للحامل وغير الحامل، يشمل هذا التكوين الداخلي للرحم في الأنثى من البشر وبقية المخلوقات، وأيضًا العلم بما يحدث للرحم من أمراض وتغيرات أثناء خصوبة البويضة بعد تلقيحها فيحدث الحمل، أو عدم حدوث تلقيح فيحدث النزيف الشهري.


وقد وصف تعالى الرحم البشري بأنه القرار المكين: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) المرسلات 20-21، والمراحل المتتابعة في تطور الجنين خلال مدة محددة وبتقدير محكم.


وللرحم أنواع منها الرحم العقيم الذي لا يلد، والرحم الذى يلد الذكور فقط أو الإناث فقط، أو الذكور والإناث، قال تعالى: (..يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) فاطر 49-50.


بداية من التلقيح  ودخول حيوان منوي واحد ضمن ملايين إلى البويضة، وبه يتحدد نوع الجنين ذكرًا أو أنثى، فيأتي الطفل مميزًا بما يعرف بالصفات الوراثية أو "الدي إن إيه". 


كما يشمل تطور خلق الجنين في داخل الرحم، من علقة إلى نطفة إلى قطعة لحم بحجم ما يتم مضغه، ومنها يتكون الجنين ويستمر في النمو، ثم جزء آخر يكون المشيمة أو الحبل السري، ويستمر الجنين في النمو بخلق العظام فيه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) الحج 5.
ثم حين تدخل النفس في جنينها في الرحم تتشكل صورته حيث شاء تعالى، ثم بعد الولادة تتغير صورة الانسان حسب العمر ووفقًا للمعطيات المقدرة سلفًا من الله، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ..) آل عمران 6.


لهذا كله صلة بـ (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ)، ويشمل نمو الجنين إذا كان مقدرًا له الحياة والنزول إلى هذه الدنيا، أو كان مقدرًا له الموت في الرحم، قال تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) الرعد 8.


ما يحدث في الرحم هو بتقدير الله، ويتجلى في هذا كله علم الله، ويوضحه تعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ) النجم 32، والله يعلم كذلك مصير الجنين وهل سيكون شقيًا أم سعيدًا،  وكذلك كل ما سيقع له في حياته من الحتميات الأربع من الميلاد والرزق والمصائب والموت، وهذا كله يشمله العلم الإلهي متضمنًا في (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ).

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط