تعد الغفوة على المكتب أثناء العمل في الصين "حق دستوري" لكل موظف، وفي اليابان دليل على أنك كنت "تعمل بجد"، أما في إسبانيا فقد تم دمجها مع النسيج الاجتماعي ولم تصبح تشكل فارقًا، لكن في باقي دول العالم، ترتبط الغفوة أو القيلولة أثناء العمل بصورة نمطية لـ "خمول وكسل" الموظف.
ومنذ تفشي فيروس كورونا المستجد، ظهرت علامات على أن الناس قد بدأوا بالفعل في إدخال القيلولة إلى روتينهم منذ تمكنهم من العمل عن بعد، ووجد استطلاع شمل 2000 أمريكي أن 33٪ منهم يأخذون قيلولة يوميًا، بينما كشف استطلاع آخر أن 25٪ من البريطانيين يفعلون الشيء نفسه.
اتفقت عملية مسح على وسائل التواصل الاجتماعي أجرتها صحيفة الجارديان: من لوس أنجلوس إلى مانيلا، أن عدد لا يحصى من المتخصصين في مجالات تشمل الصحافة والقانون والتسويق استمتعوا بـ 20 دقيقة قيلولة يوميا.
صرحت مديرة علاقات عامة في لندن – لم ترغب في ذكر اسمها -: "إنني أدرك أن مكان عملي لا يعترف بالنوم أثناء العمل إلا أنه قد حان الوقت لرفع وصمة العار تلك، وجعل القيلولة شئ ضروري".
يتجه عدد من الموظفين في بعض دول العالم إلى المطالبة بضرورة جعل القيلولة شئ مسموح به خلال ساعات العمل، فذلك قد يساعد معظم الموظفين على الأداء والإنتاج بشكل أفضل، فمن المفترض أنه كما زاد عدد الأشخاص الذين يعتنقون القيلولة أثناء العمل من المنزل، تزداد احتمالية أن تتغلغل العادة لتنتشر في المكاتب إذا عاد الموظفين إلى العمل بعد انقشاع أزمة كورونا.
وبالنظر إلى أن الشركات قد تقوم بمراجعة علاقاتها مع الموظفين وتعيد التفكير في مخططات المكاتب، فليس من المستبعد أن نتخيل ظهور مشروعية القيلولة في قوانين العمل، فهل للقيلولة بعد تاريخي؟.
الغفوة قديمة قدم الرومان، الذين أحبوا "السيكستا هورا" والتي تعني "النوم في الساعة السادسة من يوم الاستيقاظ" أي في وقت الظهيرة (والتي أصبحنا نعرفها الآن "بالقيلولة").
فلفترة طويلة كان البشر ثنائي الطور، تنقسم فترات النوم لديهم على مدى جلستين خلال 24 ساعة (واحدة في النهار، وواحدة في الليل)، بدلًا من أحادية الطور، في فترة واحدة ليلًا.
استمر هذا الأمر حتى اختراع المصباح الكهربائي في القرن التاسع عشر، والذي مكّن المصانع من إبقاء الموظفين في العمل لساعات أطول، مما يعني أنهم عادوا إلى منازلهم ليلًا للنوم فقط.
القيلولة علميا
لم تتم دراسة القيلولة بدقة إلا مؤخرًا، فتعد الدكتورة «سارة مدنيك» رائدة في هذا المجال، فخلال تخرجها من جامعة هارفارد في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، توصلت إلى اكتشاف مفاجئ مفاده أن "الناس أظهروا نفس مستويات" التعلم [القدرة على تحديد المزيد من المعلومات في فترة زمنية أسرع] بعد أخذ "قيلولة خلال العمل" مثلها مثل كفاءة فترة النوم في الليل.
كما تقول مدنيك - أستاذ علم النفس المساعد في جامعة كاليفورنيا بريفرسايد، ومؤلف كتاب عام ريفرسايد ، والتي أصدرت كتابًا في عام 2006 يحمل اسم "خذ قيلولة! غيّر حياتك"، أن القيلولة تنسجم بدقة مع إيقاع الساعة البيولوجية لدينا، ودورة أجسامنا على مدار 24 ساعة.
وتضيف: "عندما لا يحصل الناس على فترة نوم في منتصف النهار تنخفض درجة حرارة الجسم ولا تكن عملياتهم المعرفية قوية، فعادة ما يلجأون إلى تناول فنجان من القهوة، ولكن قد لا يحتاجون إليه إذا أخذوا قيلولة فهي تعطي كفاءة أكبر".
وتؤكد: "لا يزال لدينا هذه الطاقة في داخلنا والذي من شأنها أن تنطلق من خلال قيلولة قصيرة ولكننا لا نعيش في عالم يشعر فيه الناس بحرية القيام بذلك حتى يومنا هذا."
وعلميًا، عندما نأخذ قيلولة، نقوم بتصحيح التوازن بين أنظمتنا العصبية النشطة (السمبثاوية) والتعافي (السمبتاوي)، الذي يعزز نظام الاستعادة، مما يمنحنا الطاقة الكافية لنكون نشيطين مرة أخرى، كما تم ربط القيلولة بتعزيز المناعة، حيث يعتمد ذلك التأثير على وقت القيلولة ومدتها.
وتوضح الدكتورة «نيرينا راملاخان» أخصائية علاج النوم في لندن، "الغفوة القوية التي تصل إلى 20 دقيقة كحد أقصى تعني أنك ستبقى في حالة قريبة من النوم، ولكن مع ذلك ستبدو أكثر حدة ذهنيًا".
فيما تستغرق قيلولة "التعافي" 40 دقيقة وتتضمن نومًا خفيفًا، وقد وجدت دراسة أجرتها وكالة ناسا أن القيلولة طورت من يقظة الطيارين ورواد الفضاء بنسبة 100٪، وفي الوقت نفسه، فإن القيلولة "الوقائية" مخصصة لمن يعانون من الحرمان الشديد من النوم وتتضمن في الأساس أخذ نفسك إلى الفراش لمدة طويلة، أو حتى تشعر بتحسن.
يشير خبراء آخرون إلى قيلولة "الشفق"، المعروفة لطلاب الجامعات باسم قيلولة "الديسكو"، قبل ليلة طويلة من النوم، وكذلك القيلولة التي تحتوي على الكافيين، والتي تشرب فيها القهوة قبل أن تذهب للنوم مباشرة، من أجل الاستيقاظ بشكل مفعم بالحيوية.