الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

على موجات الخراب العربي


عقد عشر سنوات على، ربيع، لم نر فيه زهورا تفتحت، بل قنابل تفجرت، ولم نشتم فيه النسيم، بل كانت رائحة البارود تزكم الأنوف، ولم نشهد فيها المواطنين متحابين، بل كلهم يتصارعون ويشتبكون والدماء تغرق الشوارع.. كان ربيعا استثنائيا، يسمونه ربيعا، وهو أبعد ما يكون عن الربيع، فكله دمار وخراب وإنكسار وكأبة وأحزان.. فهو بالفعل ربيع كل عدو للعرب والمصريين، لكنه خريف كل عربي ومصرى، ولن يأت ربيعهم الجديد قريبا للأسف، حتى مع الكسر الشعبي لموجات الخيانة والاحتراب فى بعض الدول التى تعرضت لهذه الضربات، وفى مقدمتها مصر.

عقد على تحول " الوطن العربي" إلى إقليم خرب فوضوى، لن يعود لما كان عليه أبدا، وكأنها "سيكس بيكو جديدة" لكن بإسلوب مختلف، فكان من المرات القليلة، التى تشتعل فيها حروب أهلية داخل عدد غير قليل من الدول العربية، فى أوقات متزامنة تقريبا، على خلفية ما سمى بثورات شعبية، استغل فيها المتأسلمون حول الوطن العربي، بالتحالف مع قوى سياسية أغلبها يسارى متطرف، وجهات عربية وأجنبية معادية، آلام الطبقات المتوسطة والشعبية التى عانت من تخبطات السياسات الاقتصادية فى هذه الدول، وموجات فساد للأسر الحاكمة ومجموعاتها، خاصة إنها استمرت فى الحكم حوالى 30 عاما!

البداية كانت من تونس، حيث لم يحرق بائع الفاكهة الأشهر " بوعزيزى" نفسه فقط، بل حرق المنطقة كلها، بنار لم تبرد حتى الآن، رغم مرور عشر سنوات عليها، ورغم تغير ألوان هذه الحرايق، ولا يتضح لها إطفاء قريب حتى الأن، خاصة أن موجات ما يسمونه بالربيع العربي متوالية، ما بين أولى وثانية، وليس مستبعدا بأى شكل من الأشكال ، أن تكون هناك ثالثة.

وكالعادة، يدرسنا الأعداء أكثر منا، فقامت مراكر الفكر الإسرائيلية والأجنبية بإحياء الذكرى العاشرة لهذا الخراب العربي، ليعرفوا هل ستستمد هذه الضربات لدول أخرى، وهل ستتجدد فى الدول التى عانت منها، وكيف تتواصل معاناة الدول التى استيقظت بعض الشيء من موجات ربيع الخراب والدمار؟، ودراسات متواصلة لاستمرار الفتن المختلفة والسيولة فى الجبهات الداخلي المختلفة فى الدول الثابتة والمنهكة والمدمرة.

ولو قسمنا بالفعل الدول التى تعرضن لربيع الخراب، فهى دول فى حالة نقاهة ، ودول منهكة ، ودول مدمرة ، ودول قلقة من أن يأتى عليها الدور.. ولم تتعرض لأى قلاقل، ودول قلقة من أن يأتى عليها الدور، وثارت بالفعل فيها عدة موجات تظاهرية لإسقاطها.. وأتصور أن البعض لا يحتاج لذكر أمثلة على كل قسم لأن الأمور واضحة، بشكل لا يحتاج لتفسير إضافة.. لكن لعشاق الإيضاحات فإن مصر تقود القسم الأول، بوصفها من الدول التى تعيش حالة نقاهة، بعد كل المحاولات المعادية، التى استهدفت أن تبقيها فى حالة الدمار والفوضى، فيما تعتبر تونس من الدول المنهكة، التى تحاول القوى المتأسلمة بقيادة الإخوان، أن تبقيها فى نطاق زلزالهم، وتسكن البحرين فى نفس القسم، وتتعامل مع الأزمة بشكل مختلف، حيث إعتبرت التطبيع مع إسرائيل، منجيا لها من أية محاولة جديدة لضربها، من ثغرة الشيعة، أو غيرها، تأتى بعدها الجزائر، التى تعيش فى فترات متشابهة مما عانت منه دول الموجة الأولى، وكأنه فيلم واحد يشاهده عميان، وليست بعيدة عنها أيضا السودان، التى عانت من تباعات نظام البشير وخلافات من بعد تغييره فى وقت واحد، وكان السبيل أيضا تعويض الأمريكان والتطبيع مع الإسرائيليين.

أما عن الدول المدمرة، فهى عديدة، وأبرزها اليمن وسوريا وليبيا، والترتيب كان وفق الأكثر دمارا، والأبعد عن التهدئة، من الأكثر للأقل.. اليمن الأطول معاناة، وسوريا الأكثر دمارا، وليبيا الأشد عنفا.. وتعتبر العراق من الدول المدمرة غير المتعافية بالمرة، لكنها ليست فى دمار الدول الثلاثة السابقة، إلا إنها مؤهلة للإستمرار فى هذع الدائرة الدموية لعدة أسباب، منها الاحتلال الأمريكى والتركى والإيرانى والاستهداف الإسرائيلى والتناحر المذهبي والمظاهرات الغاضبة من وقت لآخر، وفيما يتعلق بالدول القلقة لكنها بلا قلاقل واضحة، فتضم دول أكثر من المجموعات الأخرى، ومنها السعودية والامارات والكويت وقطر، وهى بلاد لا تخلو من السيولة، أغلبها حل مشاكله بالتقارب المالى لإدارة ترامب والتطبيع مع إسرائيل، والأكثر قلقا وسيولة من بينها هى السعودية بسبب التحولات الداخلية والاستهداف المستمر من الحوثيين، والتورط المتواصل فى حرب اليمن.

وبالنسبة للمجموعة الأخيرة، التى تتعلق بالدول القلقة وعانت من توترات ما، فتشمل الأردن والمغرب ولبنان، بالإضافة لنظام غزة المنقلب على السلطة الفلسطينية، بل ولو فتحنا الدائرة الإقايمية لتكون شرق أوسطية، ستضم أيضا إسرائيل، لأنها تعرضت لعدة موجات من المظاهرات الشعبية والتوترات الأمنية، منذ بداية "الربيع العربي" وحتى الآن، حيث تستمر المظاهرات فى الشارع الإسرائيلى أمام سكن ومقر رئيس الوزراء الإسرائيلى"بنيامين نتنياهو"، لأسباب مختلفة أغلبها بخلفية اقتصادية وقضايا فساد.. ولم تكن إيران بعيدة عن الفوضى، وأيضا تركيا التى تتعرض لضربات متواصلة، ورغم ذلك يترك أغلب العالم الرئيس التركى أردوغان المساحة للعربدة فى عدد كبير من الدول، من أرمينيا شرقا وحتى ليبيا غربا، وبينهم العراق وسوريا شمالا، ومالى والصومال جنوبا.

ويلاحظ بلا تجنى، أو مبالغة ما، إن إسرائيل وغيرها من أعداء أغلب العرب المباشرين، كتركيا وإيران والقوى المتأسلمة فى مقدمتها تنظيم الإخوان الدولى المقرب للعديد من أجهزة المخابرات الأجنبية، هى الأكثر استفادة من موجات ما يسمى بالربيع العربي، ويضغطون لاستمرارها بشكلها التقليدى، أو غير المتعارف عليه..والأكثر خسارة هى الجيوش العربية التى انهارت أغلبها وبقيت أخرى في مواجهة تحديات صعبة، بالإضافة للشعوب التى نخبطت وضاعت أحلامها فى الأمان والاستقرار ومستقبل طيب، وبالتالى أصبحت مستعدة لما كان مستحيلا فى الماضي القريب، وبالذات قبل هذا العقد الدموى الفوضوى، بالذات من تحولوا إلى لاجئين، وضاع منهم الوطن، ومات أبنائهم، واغتصبت نساؤه، وقتل رجالهم، وسفكت دماء شيوخهم.

لكن السؤال الأهم الآن، هل من أمل لمحاصرة العواقب الوخيمة المتواصلة؟، وهل سيناريوهات لمواجهات لضربات جديدة غير تقليدية للجيل الجديدة للربيع العربي، خاصة مع عودة من رعوه من الديموقراطيين للبيت الأبيض من جديد؟.. وللإجابة عن هذا السؤال المعقد جدا، يجب أن تخصص مراكز الفكر العربية والمصرية الوطنية وقتا طويلا من أجندتها المتخبطة، وإلا فلن يكون لنا مستقبل فى المنطقة، وستظل الاجتهادات المنفردة لكل دولة، فى ضوء انهيار جمعة الدول العربية، هى السبيل الأضعف للقاء لبعض الوقت فى مواجهة هذه المخططات، وسط تضخم السيطرة الإسرائيلية على الشرق الأوسط، حيث إمتدت الذراع الإسرائيلية نحو سوريا والعراق بحجة التموضع الإيرانى، وتطور الأمر لاستهدافات إسرائيلية للعمق الإيرانى، والأغرب إنه وسط تهليل من بعض العرب، والسكوت الإيرانى التام، والتجاهل العالمى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط