الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أين ذهب السؤال: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟!


إن أهم الأشياء التي يجب أن تحرص عليها أمة من الأمم هو أن تدرك وضعها وحالها بالنسبة لوضع وحالة الأمم الأخرى التي تعيش في عصرها، هذا الإدراك الذي يعني أن تلك الأمة تعيش عصرها وتميز أوضاعه، في ذات الوقت الذي تدرك ما آلت إليه، هذا المآل الذي يجب أن تعمل إما على تثبيته وتعزيزه، وإما على تغييره وتبديله.


إن الأمة، أية أمة، لا يدرك فيها كل أبنائها هذا الوضع بدقة كبيرة، بل هي النخبة التي تمتلكها هذه الأمة أو تلك هي التي تستطيع أن تدرك هذا الوضع وتلك المكانة بالشكل الكافي والتفاصيل الدقيقة ومن ثم توضح وتشرح لبقية أبناء الأمة ذلك، وترسم الخطة وتضع الخطوط الرئيسة لوضع التعزيز للحالة الأولى أو لمرحلة تغيير جذرية في الحالة الثانية للخروج من حالة التأخر وتغيير الوضع غير الملائم.


إن أولى الصدمات التي صدمت الشرق في عصور ظلامه الممتدة كانت تلك التي حدثت في نهايات القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، حينما نزل نابليون بونابرت (1798-1801) بأسطوله في الإسكندرية للاستيلاء على مصر في محاولته لتحقيق حلمه بتأسيس "إمبراطورية الشرق" التي لم يكتب لها الإقامة لأسباب متعددة ليس هنا مجال حصرها، كانت الصدمة عنيفة فلقد أدرك المصريون والمسلمون كم الفروق الهائلة في القوة بينهم وبين الغازي الجديد الذي حاول ، كما كل الغزاة، تجميل هذا الغزو، واتخذ في سبيل ذلك الكثير من الأساليب كان على رأسها إظهار تعظيمه للإسلام، بل ادعاء أنه المهدي المنتظر الذي جاء ليكمل رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ذاكرا: "أو ليس حقا أنه قد جاء في كتبكم أن كائنا أرقى سوف يصل من الغرب مكلفا بمواصلة عمل النبي ؟ أو ليس حقا أنه جاء فيه أيضا أن هذا الرجل، هذا الوكيل لمحمد هو أنا؟".


نقول كانت الصدمة كبيرة للفارق في الأسلحة والتكنولوجيا والعلم إضافة للتنظيم والتجهيز، هذه الصدمة التي سوف تكون سببا في أن يتخذ محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة وحاكم مصر ما بين عامي "1805 إلى 1848" من أوروبا التي جاء منها المستعمر والغازي بونابرت نموذجا يسعى لتحديث مصر للوصول إليه وهو ما كانت بداياته في إرسال البعوث التعليمية المصرية إلى البلاد الأوروبية لتنهل من العلم الأوروبي والثقافة الأوروبية لتعود بعد ذلك إلى مصر منفِّذَةً ومُطَبِّقَةً وناشرة هذا العلم وتلك الثقافة في مصر.


ذلك الذي قد أرهص إلى مشروع نهضوي عربي وإسلامي تقوده مصر. هذا المشروع الذي تبناه المجددون المصريون ابتداء من رفاعة رافع الطهطاوي (1216 هـ/1801 - 1290 هـ/1873) مؤسس حركة النهضة في مصر، صاحب كتاب( تخليص الإبريز في تلخيص باريز) والذي قال فيه: أسأل الله أن يوقظ بكتابي من نوم الغفلة المسلمين من العرب والعجم" كما استنكر الطهطاوي أن البلاد العربية برعت في العلوم الشرعية والعربية والعقلية النظرية وأهملت العلوم الحكمية بجملتها فاحتاجت إلى البلاد الغربية في كسب ما لا تعرفه وجلب ما تجهل صنعه رغم أن أصل العلوم يعود إلى البلاد الإسلامية في أيام قرون أوروبا المظلمة.


ونضجت حركة النهضة تلك بمجيء أحد أبرز قادتها جمال الدين الأفغاني إلى مصر في العام 1870 قادما من الهند والذي كان يرى أن سبب النهضة الأوروبية هو حركة الإصلاح الديني التي قام بها مارتن لوثر (10 نوفمبر 1483 - 18 فبراير 1546)  الذي رأى الشعوب الأوروبية قد فقدت شهامتها وعقلها حينما خضعت لمدة قرون لرجال دين فاسدين و لتقاليد لا علاقة لها بالعقل وعششت في عقولهم الأسطورة فأقام حركته البروتستانتية ودعا لها الأوروبيين بحزم وصبر وأناة حتى استجابوا له وهنا انضبطت أخلاقهم واستقام اعوجاجهم وطهرت قلوبهم.


ثم بعد ذلك كان تلميذه الإمام محمد عبده (1 يناير 1849 - ت. 11 يوليو 1905)،  باعث الدولة المدنية وإمام المجددين، والذي ساهم بعد التقائه بأستاذه جمال الدين الأفغاني في إنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تهدف إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري وإعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر.


ليتبلور السؤال الهام الذي يحتاج إجابة شافية يتم الانطلاق منها وهو: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟.
هذا السؤال الذي ظل مطروحا لأكثر من قرن من الزمان يحاول كل مفكر وفيلسوف الإجابة عنه مقدما مشروعا يؤسس لمغادرة مربع التخلف والالتحاق بمربع الحضارة الحديثة، ذلك الذي يعني بالضرورة أن هناك اعترافا واضحا وصريحا بتأخرنا من ناحية ورغبة أكيدة لدى هؤلاء المفكرين في مغادرتنا لهذه الحالة من التخلف لنلتحق بالحضارة الحديثة من ناحية أخرى.


ولعله من المناسب هنا أن نؤكد على فرق جوهري بين رؤيتي كل من رائد النهضة رفاعة رافع الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني، حيث يمثل الأول، وهو ابن الأزهر، التوجه العلماني الصرف، وتبني الحالة الغربية، أما الثاني فلقد كان يرى ضرورة إفراز حالة إسلامية خاصة يُنْطَلَق منها لمغادرة حالة التخلف والتردي.


ولقد اشتبك مفكرون آخرون ساروا على نفس درب هؤلاء المجددين مع هذا السؤال الضخم: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم وكان من هؤلاء علي عبد الرازق  (1305 هـ / 1888 - 1386 هـ / 1966) الذي يُعد كتابه "الإسلام وأصول الحكم" استكمالا لمسيرة تحرير فكري بدأها الإمام محمد عبده في كتابه "الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية"، كما كانت أفكار عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (1306 هـ / 15 نوفمبر 1889 - 1393 هـ / 28 أكتوبر 1973م) والكثير غيره تصب أيضا في إيجاد إجابة لهذا السؤال الكبير.
هذا السؤال الذي لم يعد مطروحا في عصرنا الراهن، على الرغم من أننا لم نتقدم كما تقدم غيرنا، بل لازلنا ندور في نفس الحلقة الجهنمية، فأين ذهب هذا السؤال؟.


إننا نزعم أن طرح الأسئلة هو دليل حي على حيوية أي مجتمع، فطالما هناك أسئلة يطرحها العقل، فهذا يدل على أن آلة الإدراك مازالت تعمل وتندهش وتدرك وتحاول الحصول على إجابات لأسئلة يفرضها الواقع.
إننا نرى أن اختفاء هذا السؤال هو اختفاء لإدراك حالة التردي، ذلك الذي يعني أن هناك غيبوبة مسيطرة على العقل المصري، خاصة على مستوى النخبة التي يجب أن تكون هي الطارحة للأسئلة المستثيرة لعقول العامة المقدِّمَة تصورات للانتقال من حالة التأخر والتقهقر التي نعيشها إلى حالة المدنية والحضارة الإنسانية الحديثة.


إن خمول العقل في طرح الأسئلة يتبعه بكل تأكيد انتفاء الابتكار للحلول والإجابات، وإن ميل العقل لحياة الدعة والسكون، يوهمنا أننا نمتلك نفس القوة أو نفس التقدم أو ذات الحضارة، وهنا نكون قد خدعنا أنفسنا وانسحبنا من معركة الحياة الكبرى في إثبات ذاتنا ومشاركة الآخرين في الحضارة والتقدم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط