الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبد الواحد فضل يكتب: « لما كنا صغيرين»

صدى البلد

في مسقط رأسي قريتي المحبوبة «الشيخ مسعود التابعة لمركز العدوة محافظة المنيا»  عشت سنوات جميلة مع ناس اجمل كان وجودهم معنا حياة.. حياة بسيطة بعيدة عن أي تكلف.. عادات وتقاليد وقيم اخلاقية ومبادئ لا تتجزأ.. ناس كانت ترضي بأقل القليل من الاشياء فكانت البركة تغشاهم في كل شيء في حياتهم.. مأكلهم ومشربهم. كانت لي جدة رحمة الله عليها تصر علي عدم رفع الطبلية تحسبا لقدوم أي ضيف في اي وقت.. والطعام بفضل الله موجود طول الوقت لإكرام الضيف.


ناس قلوبها كانت بيضاء لا تحمل حقدا  او حسدا او غلا لأحد.. ناس تحب بعضها البعض. ناس تسعي لعمل الخير وحب الخير لها وللغير.. وتتقاسم لقمة العيش والطعام مع الاهل والجيران.


كنت أرى بأم عيني والدي واعمامي «رحمة الله عليهم اجمعين» لا يبات الواحد منهم ليلته حتي يطمئن علي الاخر «اخيه». كان دائم السؤال عنه وعن صحته وظروفه واحتياجاته ويحترمه ويعلم ما يفرحه وما يعكر صفو حياته والاجمل ان تلك العلاقات الطيبة كانت تمتد لتشمل جميع افراد العائلة بل وكافة الاهل والجيران والاصدقاء.


‬‏كان الواحد منهم يذهب لأقاربه وأصدقائه ليسأل عن احوالهم وقد يضطر في اغلب الأحيان للذهاب سيرا علي الاقدام رغم بعد المسافات طواعية وحبا وحرصا علي اداء صلة الرحم وتقديم واجب العزاء أو التهنئة بالمناسبات السعيدة.


كنت أشاهد والدي وأعمامي «رحمة الله عليهم اجمعين» يصلون ارحامهم ويشاركون الاهل والجيران والاصدقاء أفراحهم واحزانهم. وأكاد اجزم ان ذلك كان سائدا بين كل أهالي القرية جميعًا وكان هناك  ترابط اسري وعلاقات محبة واحترام سائدة بين الجميع.


‬‏كنا وإحنا صغيرين نفعل ونقول ما تربينا عليه من عادات وتقاليد واخلاقيات طيبة.. نحترم الكبير ونقدره ولا نرفع اصواتنا في حضوره.. كنا نسمع كلامه ونأخذ بمشورته ونفهم نظرات العين قبل ان تنطق الكلمات أو تتحرك الاشارات.


كان العم لنا والدا والأخ لنا سندا  والجد سيدي والجدة ستي اما الأم فهي تاج الرأس وكل العمر. كنا حريصين علي تواصلهم ومحبتهم ونيل رضاهم بعد رضا الله سبحانه وتعالى.


لما كنا صغيرين كنا اهل واصدقاء واصحاب وجيران بنخاف علي بعض.. نود بعض. نساعد بعض علي المعايش. نشارك ونعيش ظروف بعضنا البعض.


كان الاجداد والآباء يعلمون الأبناء الفضيلة والكرم والجود ومحبة الناس وصلة الرحم واحترام الكبير وكل الاخلاق الحميدة. ليه اختفت هذه الاخلاقيات من بيوتنا الآن؟!  الا من رحم ربي.


كانت تجمعنا الوجبات الغذائية الثلاث علي طبلية واحدة اما  الآن فنادرا ما  تجمعنا وجبة واحدة مع انتشار وجبات التيك أواي واختلاف المواعيد لافراد الأسرة الواحدة.


عندما نجتمع الآن في مكان واحد كأسرة واحدة تجد كل منا مشغولا بعالمه الافتراضي من فيس وواتس وتويتر ويوتيوب وماسنجر.. حتي تجمع الاصدقاء علي الكافيهات والمقاهي يكون الشاغل الاكبر لهم هو مصدر الكهرباء ورقم الواي فاي.


كنا زمان نجتمع كأسرة واحدة لمناقشة امور حياتنا ومشاكلنا وكيفية حلها اما الآن فنادرا ما نجتمع ولو اجتمعنا غالبًا ما يسيطر علي احاديثنا الصوت العالي لذا تظل امورنا معقدة ومشاكلنا معلقة تبحث عن حلول  .. الا من رحم ربي.


حتي أبنائنا الآن نادرا ما نجلس معهم أو نعرف حتي اصدقائهم أو مستوياتهم التعليمية علي عكس تماما ما كان  يفعل اجدادنا واباؤنا معنا من تنشئة دينية اجتماعية وتربوية سليمة قبل العلم.


عادات وتقاليد تغيرت ورحلت عنا قيم واخلاقيات جميلة برحيل ناس اجمل وزمن جميل. وأكاد اجزم ان كل القري والارياف في صعيد مصر ووجه بحري كانت تعيش  نفس الحالة الطيبة من مكارم الاخلاق.


أعلم جيدًا  ان الاجيال  تغيرت والظروف اختلفت.. والحياة اصبح لها اساليبها الحديثة الا انها مع الاسف تغيرت للاسوأ.


سرد كيف كان ماضينا الجميل؟! وكيف تغيرت عاداتنا وتقاليدنا واخلاقياتنا.. موضوع يحتاج منا لمزيد من البحث والدراسة.


الخلاصة.. زمن اهالينا الطيبين الذين رحلوا  عنا من سنين سيظل دائمًا وأبدًا هو الزمن الجميل وستظل ذكراهم الطيبة وسيرتهم العطرة تعيش معنا ما حيينا.


فليتنا نعود إلي اخلاقيات ابائنا واجدادنا ونتمسك بتعاليم ديننا الحنيف... والله من وراء القصد.