الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قبيل مباراة القرن في أفريقيا بين الأهلي والزمالك



ليست الرياضة، كما يظن البعض أو ينظر إليها الكثيرون، مجرد وسيلة للترفيه، وليست كما يذهب البعض مجرد تسلية، فلو الحال كذلك ما وجدنا كل هذا الاهتمام الهائل بها، وكل هذا الزخم، ليس على مستوى دولة بعينها، ولا شعب دون آخر، ولا فئة دون غيرها بل على مستوى العالم كله، في كل الدول وبين جميع الشعوب.
إذًا، فما هي الرياضة؟ وماذا تمثل؟ وللإجابة على هذين السؤالين علينا أن نعلم أن المنافسات بين بني الإنسان هي منافسة ضاربة بجذورها في عمق أعماق التاريخ، منذ اليوم الأول لظهور الإنسان كانت المنافسة بينه وبين أقرانه مكون رئيسي من مكوناته، فهي حالة فطرية، هذا التنافس الذي أخذ أسوأ صوره في تلك المعارك التي نشبت بين الإنسان وأخيه على المستوى الفردي والتي ما لبثت أن تحولت إلى معارك بين الجماعات من الأسر الصغيرة والقبائل الكبيرة حتى وصلت إلى المعارك بين الدول، بعد نشأتها، هذا التنافس الذي تحول إلى معارك تباهى فيها المنتصر بنصره على المهزوم، واستولى الأول على مقدرات الثاني، وأذله إذلالا واسترق القويُّ الضغيفَ، وما كان ذلك كله إلا بسبب المنافسة غير الشريفة في السيطرة والاستيلاء.
ولأنه، وكما في الإنسان تلك الغرائز السلبية الخطيرة، ففيه من ناحية ثانية هذا العقل الذي يهذّب ويسيطر على تلك الغرائز التي في حاجة إلى تهذيب وتقويم، فوجدنا العقل يأخذ بيد الإنسان نحو ترقيق مشاعره ويحدد أُطُرًا يهتدي بها في مسيرته الحياتية الطويلة والتي تبلغ ما يقترب من السبعين ألف عام هي العمر الذي حدده العلم كعمر لظهور الإنسان العاقل الذي انتقل من شمال أفريقيا عابرا البحر المتوسط إلى أوروبا حيث عاصر في حقبته الأولى هناك إنسان نياندرتال، الذي كان يعيش في القارة الأوروبية، حيث تزاوجا كلا النوعين، يثبت ذلك تلك الجينات التي وجدت في الإنسان الأوروبي منحدرة من إنسان نياندرتال.
نقول إن العقل هو الهادي الذي هدى الإنسان إلى تهذيب تلك الغرائز والتي كان منها التنافس المجبول عليه، هذا العقل الذي هدى الإنسان لابتكار نوع من التنافس الفردي، ما لبث أن تحول إلى تنافس جماعي، يشارك فيه المتبارون، الذين انحاز المشجعون لهذا المنافس أو ذلك ولهذا الفريق أو ذاك، ليفرغ الإنسان في هذه المنافسات الرياضية طاقته، وحتى لا تكون تلك المنافسات الرياضية تسير على خطى المنافسات الأولى التي تحولت من عراك بين شخصين إلى معركة بين جماعتين إلى حرب بين دولتين، فإن عقله الذي يعمل دوما على تهذيبه ابتكر قِيَمًا رياضية راقية جعلت من الرياضة أرقى أنواع المنافسة، فظهر ما يطلق عليه "الروح الرياضية والخلق الرياضي" الذي هو أرقى أنواع الخلق، لأنه ببساطة شديدة يصل بالإنسان إلى أعلى درجات السمو، فالروح الرياضية تُلْزِم الرياضي أولا، باتباع الوسائل المشروعة في الرياضة التي يلعبها، وعدم استغلال طرق غير مشروعة، بل ربما يتنازل الرياضي في أرقى درجات الرقي الأخلاقي عن استخدام نقاط ضعف طارئه على منافسه مثلما فعل الرياضي المصري العظيم محمد رشوان لاعب الجودو المصري الذي رفض استغلال إصابة منافسه الياباني وارتضى بالهزيمة والحصول على الميدالية الفضية "التي هي هنا أغلى من الذهب والألماس وكل الأحجار الكريمة" في دورة الألعاب الأولمبية عام ١٩٨٤ بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، ليظل مثلا يضرب على مر الأجيال في كل العالم للسلوك الرياضي في أبهى صوره، ثم إنها - الأخلاق الرياضية - في قمة رقيها، بعد أن تهذب الرياضي، تطلب من المهزوم أن يهنئ الفائز، كما تفرض على الفائز أن يواسي المهزوم في صورة مستحيل أن نجدها في حالة التنافس غير المهذب في بدايات الإنسان الأولى قبل أن يَعْقِلَ غرائزه، وقبل أن يهذب مشاعره، وقبل أن يرتقي بخلقه ليصل إلى الخلق الرياضي.
وإذا كانت الرياضة في مفهومها الحقيقي قد أوصلت الرياضيين إلى هذا الخلق الرياضي الراقي فإنها كذلك تفرض على المنتمين لهذا الفريق أو ذاك، من الجماهير، أن يتمتعوا بنفس هذا الخلق الرفيع، فيشجعون فريقهم بكل قوة ويحمّسون اللاعبين بكل طاقة، في ذات الوقت الذي يقبلون فيه النتيجة، مهما كانت، بكل روح رياضية، فتهنئ جماهير الفريق الخاسر جماهير الفريق الفائز، وتتمنى الأخيرة التوفيق للمنافس في القادم من المباريات.
وبعد هذا العرض الذي يبدو مثاليا، لأنه الأصل الذي أراده العقل الإنساني المثالي الراقي، بعد هذا العرض: هل يمكن أن يتمتع لاعبو فريقي الأهلي والزمالك الذين سيلتقون يوم الجمعة في المباراة النهائية للبطولة الأفريقية كأول فريقين من دولة واحدة في القارة السمراء يصلان لنهائي كأس الأبطال الأفريقي بهذا الخلق الرياضي؟
إن الإجابة على هذا السؤال في ظل الأجواء التي تركتها المرحلة السابقة التي لم تشهد لها مصر مثيلا في التعصب الذي أعاد التنافس لصورته عند الإنسان البدائي تذهب بنا إلى الظن بأن ذلك ليس من السهولة بمكان خاصة في ظل شحن معنوي للفريقين تخطى كل الحدود ليداعب تلك المنطقة العدوانية، وليست التنافسية، في الإنسان، وهنا تظهر أهمية تدخل العقلاء من الجانبين لإعادة التنافس إلى طبيعته الراقية والتي تليق باللاعبين المصريين، حيث أن ما سيحدث على أرض الملعب من سلوك سيصدر عن اللاعبين سوف ينعكس بكل تأكيد على سلوك وتصرفات الملايين من الجماهير المصرية التي تنتمي للناديين الكبيرين.
إن سمعة مصر ورقي أخلاق أبنائها، وتجسيدهم للخلق الرياضي الرفيع الذي يليق بأبناء أمة كانت في طليعة الإنسانية لهي مسؤولية اللاعبين والمشتغلين في المنظومة الرياضية المصرية التي تعاني معاناة قاسية في الآونة الأخيرة، تلك المعاناة التي يمكن أن يولد من رحمها ضبط الحياة الرياضية في مصر مرة أخرى إن أُحْسِن استغلال هذه المباراة الهامة التي ستكون محل اهتمام القارة الأفريقية والدول العربية والعديد من دول العالم، فعلى المصريين أن يقدموا نموذجا يحتذى كما قدموا في كل حقب التاريخ النماذج التي كانت نبراسا للعالم في كافة المجالات.
نتمناها مباراة راقية تتمتع بالخلق الرياضي الرفيع نزهو بها ونفتخر أمام العالم أجمع، هذا الذي لن يتحقق سوى بإدراك اللاعبين والأجهزة الفنية للرسالة السامية للمنافسات الرياضية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط