قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

التحدي الأخطر للدولة الوطنية

×

باتت مسألة اللُحمة المجتمعية والوحدة الوطنية بين أبناءالشعب، أحد أبرز التحديات الاستراتيجية التي تواجه الدول جميعها، واللافت أن هذاالتحدي كان قبل أعوام قلائل تحد يرتبط بدول معينة ليس من بينها الدول المتقدمة،
والأكثر تقدمًا، ولكن برزت في الآونة انقسامات حادة في تلك الدول ربنا تفوق فيخطورتها وتأثيراتها على المديين المتوسط والبعيد ـ إن استمرت على حالها ـ تلك الانقسامات التي تعانيها الكثير من دول الشرق الأوسط والمنطقة العربية.



الانقسامات بين أبناء الشعب الواحد ليست ظاهرة عابرة ولا طارئة تاريخيًا في المشهد السياسي علىالمستوى الكلي أو الفردي بشكل عام، ولكنها تفاقمت وتوغلت في العديد من الدول عقب ما يعرف إعلاميًا بـ "الربيع
العربي
"، حيث عززت التنظيمات الإرهابية المتطرفة والدول الراعية لها، وكذلك الدول الإقليمية التي تمتلك مشروعات هيمنة توسعية، عوامل التفتتوالانقسام الطائفية والدينية والعرقية، ما تسبب في انزلاق بعض الدول إلى صراعاتطائفية وعرقية، وكادت دول أخرى تسقط في فخ الحرب الدينية على أساس ديني.



في الغرب، برزت في السنوات الأخيرة أيضًا انقسامات مجتمعيةعلى أساس ديني وعنصري، تغذت على الشحن المتواصل من جانب التيار اليميني المتطرف فيبعض الدول الأوروبية على سبيل المثال، بينما برزت الولايات المتحدة والمجتمعالأمريكي مؤخرًا، كأحد أخطر النماذج على ظاهرة الانقسامات على قاعدة.



وقد جاءت اعترافات وتحذيرات العديد من الساسة الأمريكيينمن تفاقم الانقسامات التي تعانيها الولايات المتحدة منذ الانتخابات الرئاسيةالأمريكية الأخيرة، لتلفت الأنظار بشدة إلى تأثير هذه الانقسامات على سمعةالولايات المتحدة ومكانتها الدولية، باعتبارها نموذجًا للديمقراطية وكل ما يرتبطبها من قيم ومبادئ مجتمعية وسياسية.



وقد جاء اعتراف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما فيإطار التصريحات الاعلامية التي يدلى بها ترويجًا لمذكراته الشخصية، بأن الولاياتالمتحدة باتت "دولة منقسمة للغاية" ليضيف زخمًاللنقاشات والتحليلات التي تتمحور حول هذه المسألة، والحقيقة أن هذه الانقسامات بدأت منذ انتخاب الرئيس أوباما نفسه لمنصب الرئاسة في عام 2008، ثم عادتللظهور مجددًا بشكل أكثر عمقًا عقب انتخاب الرئيس دونالد ترامب عام 2016، وهي انقسامات لا ترتبط بالشعارات والقيم السياسيةللقادة والرؤساء بقدر ارتباطها بالتفاوت المجتمعي والاقتصادي والمعيشي بينالطبقات، أو بين الريف والحضر، أو بمعنى حول توزيع الثروة وتقاسم عوائد التنمية
بين طبقات المجتمع المختلفة
.



البعض، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق أوباما، يرون أنوسائل التواصل الاجتماعي قد لعبت الدور الأبرز في تأجيج الانقسامات من خلال نشر "نظرية المؤامرة" وما يصفونهبالمعلومات المُضللة التي تقود بدورها إلى استنتاجات مُضللة، ويتهمون كذلكمنافسيهم السياسيين بالترويج لهذه النظرية وتغذية الانقسامات عبر العالم
الافتراضي، ومن ثم ترسيخها في الواقع بين العامة
.



والحقيقة أن هناك "صدوعاتتاريخية" لا تزال تنزف ومنها العرق والدين، وأن أفكار التعايشوقبول الآخر ونبذ الكراهية والتعصب لا تزال بحاجة إلى مزيد من الجهد المؤسسيالمتواصل من أجل تعميق جذورها وتثبيتها وتناقلها بين الأجيال. ورغم أن القلق الأساسي الذي ينتاب الساسة والمراقبين منتفشي الانقسامات يرتبط أساسًا بمسار الممارسة الديمقراطية، فإن الأمر في تداعياتهيفوق هذا الجانب ـ رغم أهميته ـ تأثيرًا لأن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكيةالتي عكست تقاربًا لافتًا في نتائج التصويت الشعبي المباشر، تؤكد أن عمق الانقسامالمجتمعي، فضلًا عن أن العالم كله قد تابع العنف والفوضى التي عانت منها بعض المدنالأمريكية عقب مقتل جورج فلويد على يد أحد عناصر الأمن الأمريكيين، أضف إلى ذلك أن أحد ركائز التفوق الأمريكي والهيمنة على مفاصل النظام العالمي القائم ترتبط بسمات النموذج الأمريكي بكل جوانبها القيمّية والسياسية والاقتصادية والثقافية، أيالسمات المادية والمعنوية لهذا النموذج، الذي يكاد يتداعى في نظر الكثيرين حولالعالم بسبب ما يعانيه من أزمات متوالية تتطلب تدخلًا عاجلًا لترميم الشروخ التيتعانيها الصورة الذهنية للولايات المتحدة في نظر شعوب العالم.



هناك أيضًا خطرًا حقيقيًا على ديمومة التعايش بين عناصرالمجتمع الأمريكي، وهي مسألة هشة ليس لأنها غير مستقرة في الذهنية الأمريكية ولكن اأنها تتعلق بموضوع مجتمعي بالغ الحساسية يمكن لأي ممارسات سلبية أن تنال منه وتؤثر فيه.



الصدوعات والانقسامات المجتمعية ليست آفة دول بعينها، ولكنهاباتت آفة عالمية، وأحد الحلول والبدائل المهمة للتعاطي معها يتمثل في التصدي بمزيدمن الأدوات والآليات القانونية الصارمة لكافة أشكال وممارسات الكراهية والتعصبورفض الآخر وأي تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس، والأهم من ذلك العمل على لجم أو استئصالالتيارات المتطرفة كافة، التي تغذي الانقسامات وتعمل على اثارة النعرات والأحقادوتغذيتها باعتبارها البيئة الملائمة لنمو هذه التيارات لأن البديل لذلك سيكونالتضحية بأسس الدولة الوطنية وتقويضها في العالم أجمع، فيما قد يمثل خسارة فادحةلأحد أهم المكتبسات التي حققتها مسيرة الأمن والسلم العالميين منذ أن اتخذت منالدول الوطنية أساسًا للاستقرار والتوصل إلى تفاهمات عالمية حول الأمن والسلمالدوليين من خلال المؤسسات الأممية وغير ذلك.