أتابع الملف الليبي بتركيز شديد، نقرأ جميعنا يوميا تعليقات الإخوة الليبيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطلعاتهم لمرحلة سياسية جديدة في ليبيا.
ملايين الليبيين يأملون في حياة جديدة، لا يسودها فساد زكم الأنوف والصدور وأصبح ليس له أول من آخر. ولا يريدون فقرا في بلد هو بطبيعته وثرواته بلد غني وعدد سكانه قليليين.
لا يريدون إخوانًا مشبوهين ولا ميليشيات مسلحة في الحكومة، ولا أصحاب أجندات خارجية وممولين طوال حياتهم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـcia والليبيين يعرفون الجميع.
باختصار لا يريدون العملاء ولا الخونة ولا العصابات، وكانوا يريدون من زمن طويل مضى، توقف الحرب والصراع، لأنها لا تعود عليهم بأي فائدة. هى صراعات فقط بالوكالة لتحقيق أهداف قطر وتركيا في الغرب وتحقيق أهداف روسيا ومن معها في نفس القائمة في الشرق. أما الليبيون فهم في آخر القائمة لايشعر بهم أحد ولا يريد أن يشعر بهم أحد.
لم ينكر أحد، وحتى أصحاب الجريمة في الناتو والولايات المتحدة الأمريكية، أن التدخل الخارجي لاقتلاع النظام الجماهيري وإزاحة الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي كان خطأ فادحا في فبراير الاسود 2011. وحتى "أوباما" الرئيس الأمريكي السابق اعترف أن التدخل في ليبيا كان الخطا الأفدح لإدارته. والسبب أنه سار وراء هيلاري كلينتون وأجندتها الفوضوية، حتى قالت قولتها المشبوهة (جئنا.. شاهدنا.. انتصرنا) يوم قتل القذافي.
وسط هذه الرغبات المشروعة من الشعب الليبي، والمشهد العبثي في السلطة الليبية في الشرق والغرب وانفلات الجنوب.. ما المطلوب؟ ما الذي انفجر بسببه الليبيون وخرجوا في مظاهرات عارمة في الشرق والغرب قبل عدة أسابيع تنديدا بالفشل والاغتيالات والفوضى والفقر وانعدام الماء والكهرباء والخدمات الأساسية ونقص السيولة؟
إنهم خرجوا للمطالبة بانتخابات رئاسية وبرلمانية، لم يروها منذ سنوات؟ تأتي بزعيم وطني ليبي وأعضاء منتخبون لمجلس النواب الليبي الجديد؟
هل أجرموا في ذلك؟ هل أخطأوا في مطالبهم؟
بالطبع لا.. لم يجرموا ولم يخطئ الشعب الليبي الذي يبحث مرة ثانية عن دولته، التي دمرها الناتو ومزقتها الميليشيات وعبث بها أتباع المخابرات المركزية الأمريكية الcia.
لكن الرغبة لم تكن كذلك على الناحية الأخرى، والاجندات ليست هكذا عند الطرف الاخر، فظهرت بدعة الدخول في "فترة انتقالية جديدة" يستحيل تصور، أنها ستكون مختلفة عن الفترات السابقة لسبب بسيط، أن العملاء والخونة والإخوان وأصحاب الميليشيات ومن يديرون الحرب بالوكالة عن أردوغان وبوتين وغيرهما كثيرين، هم أنفسهم نفس الاشخاص الذين يتصدرون المشهد الجديد؟ فمن أين يأتي الجديد؟
هنا تبرز اعتراضاتنا على المسار السياسي، الذي سلكته البعثة الأممية للدعم في ليبيا، والتي قادت أطرافا ليبية عدة ونحو 75 عضوا من مختلف مناطق ليبيا للاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة ليبية جديدة – مفترض أن تكون حكومة واحدة شاملة للشرق والغرب- ومجلس رئاسي ليس فيه فايز االسراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، ووفق ما هو معروف طوال الفترة الماضية فقد ذهبت الأطراف الليبية التي وافقت على الحوار الليبي بهذا الشكل، إلى ملتقى الحوار في تونس لهذه المهام وفوقها فترة انتقالية جديدة مدتها 18 شهرا أي عام ونصف؟!
فهل هذا حل؟ هل هذا هو ما كان يأمله الليبيون في مظاهراتهم؟ هل يضمن أي احد أن هذه الفترة الانتقالية الجديدة الطويلة التي ستقارب العامين حتما، وربما تزيد ستنتهي بانتخابات فعلا؟ ثم ما هذا الكابوس في سوء الإدارة والتردي والفشل الاقتصادي الذي سيظل جاثما على صدور الليبيين عاما ونصف آخرين.
هل يضمن أحد أن رأسي السلطة في الغرب والشرق سيختفيان عن المشهد، وهناك تقارير دولية واقليمية وليبية على ممارسات وانتهاكات وجرائم مروعة وجرائم حرب وأعمال قتل خارج القانون نفذت في ليبيا طوال السنوات الماضية؟
رأيي ان المسار الذي سلكته الأمم المتحدة في ليبيا عبر بعثتها الأممية، والسيدة ستيفاني ويليامز، هو "لف ودوران" وليس تفاهم وما كان مقبولا وما كان مرتقبا، هو التمهيد ورعاية انتخابات شاملة في كل ليبيا خلال 6 أشهر على الأكثر.
سيتحجج البعض، أن الانقسامات الحالية تحول دون تنظيم انتخابات؟ والرد وهل المسار المرتقب عبر جولة تونس سينهي هذا الانقسام؟!!
ثم هل التصويت في أي انتخابات قادمة سيكون بطريقة الانقسام وحصر أصوات الشرق على المنطقة الشرقية؟ وحصر أصوات الغرب على المنطقة الغربية؟ بالطبع لا
إنه سيكون حتما لو هناك رعاية أممية جادة لهذا الملف، تصويت شامل في كافة المدن الليبية على أشخاص بعنيهم سواء كانوا للبرلمان، أوزعيم أو اثنين مرشحين للانتخابات الرئاسية، في انتظار أصوات ما لايقل عن 2 مليون ليبي، هذا كان الصحيح وهذا ما سينتهي إليه الليبيون مجددا، بعد عام ونصف قادمين للبحث عن طريق الانتخابات مرة ثانية وتوديع الفترة الانتقالية المقيتة التي تكاد تبدأ بعد نهاية حوار تونس.