الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إلى الرئيس ماكرون.. كن أكثر شجاعة


في أقل من شهر أضحت فرنسا في مرمى نيران التطرف وتعرضت لثلاث حوادث إرهابية، منها ذبح مدرس وقتل ثلاثة أشخاص بكنيسة في مدينة (نيس)، وإصابة كاهن يوناني بإطلاق رصاص، ومرشحة للتعرض للمزيد من الهجمات كما أكدت المصادر الأمنية الفرنسية ذلك.


وما زاد من تأزم الموقف هو خروج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريحات ملتبسة في تأبين المدرس المقتول يُفهم منها صراحة دعمه إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كنوع من حرية التعبير، مما أثار غضب ومشاعر المسلمين ليس في فرنسا فقط وإنما في أنحاء العالم العربي والإسلامي، فخرجت منددة غاضبة وتعالت الدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية ردًا على إهانة (ماكرون) للنبي الكريم وعدم احترامه مشاعر 2 مليار مسلم، كما تم حرق السفارة الفرنسية في السودان.


وتحت وطأة المقاطعة والغضب العربي، خرج (ماكرون) بخطاب على قناة الجزيرة القطرية وبدون الدخول في تفاصيل الجدل المثار حول لماذا إختار الجزيرة تحديدًا؟ وهل لأنها قناة تدعم الإرهاب أم ليحدث وقيعة بين قطر وتركيا؟ هذا شيء لا يعنيني ولكن ما يعنيني هو تغير لغة (ماكرون) وخروجه بخطاب أقل حدة وتحدثه بلهجة يحاول فيها تهدئة الأجواء وإمتصاص الغضبة الشعبية في الشارع العربي بعد أن أدرك أن فرنسا تدفع ثمن باهظ لحرية التعبير المزعومة.


بداية قال ماكرون: "أتفهم مشاعر المسلمين من الرسوم الكاريكاتورية"، لا يا سيدي أنت لا تتفهم مشاعر المسلمين ولن تتفهمها، المسلمون جُرحوا في دينهم وهذه ليست التصريحات الأولى لماكرون التي أثارت موجة من الاستياء فسبق أن قال: "إن الإسلام في أزمة في أي مكان في العالم"!! إن ماكرون رئيس دولة وليس رجل دين لم يكن له أن يتحدث عن الإسلام ويصفه بأنه في أزمة أو أن فعلًا إجراميًا هو فعل إسلامي، ولماذا كلما وقع حادث إرهابي قام به شخص مسلم تدور المناقشات حول المسلمين؟


ليس مطلوبًا من المسلمين في فرنسا أو من أي مكان في العالم الاعتذار، هم ليسوا مسئولين عن الأمر والإسلام لا يدعو للعنف، إن حكمة الإسلام قبل كل شيء أنه دين احترام الإنسان وحريته ومعتقداته (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا).


لا يمكن نسب الإرهاب للإسلام فهؤلاء لا يمثلون صفر% من أعداد المسلمين، وهل نسى ماكرون أن من قام بمذابح وجرائم كبرى ضد الإنسانية كانوا هتلر وموسوليني؟ والعالم الإسلامي لم يتأخر في إدانة هجوم (نيس) وغيره من الأعمال الإرهابية في أي مكان والمسلمون يرفضون ذلك وفي نفس الوقت يرفضون المساس بمقدساتهم والرسول صلى الله عليه وسلم هو رمز الإسلام.


إذًا لماذا ربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب ومن أنشئ داعش هذا الغول الهائل، من صنعه وأطلقه على العالم لينسب ظاهرة الدواعش للإسلام لتشويه صورته السمحة الرئيس ماكرون لم يفهم العقلية العربية وأن الدين منطقة حساسة.


نعم أوروبا علمانية لكن العالم العربي لن يكون علمانيًا ثم هو تحدث على أن تصريحاته تم تحريفها، حيث قال: "أعتقد أن ردود الفعل كان مردها أكاذيب وتحريف كلامي"، وهذا بالطبع غير حقيقي ولا أعرف عن أي تحريف يتحدث لتصريحات معلنة وواضحة كالشمس.


إن الشعوب التي خرجب غاضبة منتفضة لم تخرج لكلام تم تحريفه، المظاهرات وحملات المقاطعة في المدن العربية والإسلامية لم تكن ضد الرسوم المسيئة فقط بل ضد تصريحات ماكرون وسوء تقديره وذهابه بعيدًا في استفزاز مشاعر المسلمين ومس أقصى المقدسات، إن رئيس لبلد بحجم فرنسا وعلاقاتها التاريخية المعقدة ومصالحها الحاضرة مع العالم الإسلامي غير مسموح له أن يؤذي مشاعر مليار مسلم دون أن يتوقع ردرود أفعال، لقد تحدث ماكرون بخطاب مزدوج خطاب قدمه للعرب والمسليمن وخطاب آخر مختلف لقاعدته الانتخابية ليس بنفس المضمون والمطلوب منه التوجه أيضًا للداخل الفرنسي وطمأنة مواطنيه ليس من الرسوم فقط ولكن من انحيازه، فالمفروض أنه رئيس لكل الفرنسيين والمسلمين هم 10% من السكان (حوالي ستة ملايين مسلم) فرنسيون يشاركون في الحياة اليومية ولهم نفس الحقوق، لذا لا يجب أن ينحاز لطرف هذا غير مقبول ويتناقض حتى مع العلمانية التي تدعو لحماية كل الأديان، وهناك 150 مسجدًا وكل يوم جمعة يصلي في فرنسا مليون مسلم، إن السياسي الناجح يتخير الألفاظ بدقة وبميزان من ذهب والرئيس الناجح يجمع ولا يقسم المجتمع والمسلمون هم جزء من المجتمع الفرنسي.


إن الرئيس (ماكرون) طيلة حواره على قناة الجزيرة لم يعترف أنه أخطأ أو أنه استخدم عبارات يندم عليها بل أصر أن العالم الإسلامي خرج يندد نتيجة أخبار مضللة وأكاذيب وهو تصرف لا يليق برئيس دولة أن يضع مصلحته الانتخابية فوق الدولة.


لذا فإن رسالتي بإختصار للرئيس ماكرون إذا كنت حقًا تريد تهدئة الأمور اعترف بأنك أخطأت في حق المسلمين وأذيت مشاعرهم، لا تخشى اليمين المتطرف ولا الحسابات الانتخابية، وكن أكثر شجاعة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط