قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

للإسلام رب يحميه

×

بعد ضلوع شباب مسلمين في قتل وذبح مدنيين أبرياء في فرنسا بعد نشر كاريكاتير مسيء في إحدى المجلات هناك، حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من يسيء إلى دينه بأفعال وتصرفات ما أنزل الله بها من سلطان.


هؤلاء أناس أعطوك الأمان وأدخلوك بلادهم ومنحوك مالم يمنحه إليك بلدك من نظام واحترام وتعليم وحرية وآدمية وكرامة وأمن بعد خوف، ثم تقرر أن تقتل أبرياءهم غدرًا، هذا ليس من الدين في شيء، دينك لم يأمرك بهذا، الله لم يأمرك بهذا، لماذا تقرر حرمان إنسان من حياته والله خلقه وأراد له الحياة، لماذا تحرم أبناءه وذويه من وجوده، لماذا؟ أدفاعًا عن الرسول، لم يأمرك الرسول بهذا، ربك أمرك بمقابلة الإساءة بالإحسان "ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون"، ورسوله أقرّ قاعدة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" عندما عاد إلى مكة مسقط رأسه وعفا عمن ظلمه بعدما سبوه ولعنوه وتآمروا ضده بل قاتلوه وطردوه وطاردوه.


في رأيي أن كل هذه الحوادث مرجعها كتب ابن تيمية، الذي أورد حديثا مشبوهًا عن أن الرسول أمر باغتيال كعب بن الأشرف، لأنه كان دائم السب له، لكن إن سلمنا بصحة الواقعة، فهي -كما تذكر بعض كتب التاريخ- لأن كعب بن الأشرف تحالف مع يهود بني النضير، وخرق الهدنة التي كانت قائمة بين المسلمين واليهود في ذلك الوقت، بل وخرج من الإسلام واعتنق اليهودية وتزوج ابنة أحد زعماء اليهود، وأنشد أبياتا في هجاء الإسلام ودين محمد الجديد، وهذه الأبيات سرعان ما انتشرت بين العرب، الذين ثارت ثورتهم رغم وجود هدنة منعقدة بين الطرفين، بل وبدأ في إعداد جيش لملاقاة المسلمين ردًا على انتصارهم في غزوة بدر، وأن الرسول أمر بقتله لإخماد هذه الثورة، فتطوع محمد بن مسلمة (صديقه القديم قبل الإسلام) لقتل كعب بن الأشرف، وقد كان، واستعان في ذلك بشخصين آخرين يدعى أحدهما أبو نائلة (أخوه في الرضاعة)، واغتالوه بالمكر والحيلة أمام بيته وزوجته الجديدة.


أقول إن صحت الواقعة الواردة روايتها في كتاب البخاري بالتفصيل، فصاحب الحق الوحيد في إعطاء أمر قتل من يسب الإسلام هو الرسول وحده في حياته، وبعد وفاته لا حق لأحدٍ من عامة المسلمين في قتل غيره بدافع الانتقام من الإساءة للإسلام أو من إطلاق كاريكاتير ساخر، إن أراد حقًا الدفاع عن الإسلام فليلتزم بأخلاق الإسلام وآدابه وتعاليمه السمحة، الدين المعاملة الحسنة، الدين الأخلاق، الدين جهاد النفس، الدين الأمانة وحفظ الحقوق وحفظ النفس والشرف، الدين صدق مع الناس وصدق مع النفس.


هذه الرواية كلها قد تكون غير حقيقية ومدسوسة ضمن آلاف الأحاديث التي تحض على العنف والكراهية وعدم قبول الآخر، وُضعت من أعداء المسلمين بعد مرور عشرات العقود من وفاة النبي لتشويه أثره وتشكيك أتباعه في دينهم وإفساد حياتهم، وللعلم أقدم نسخة في العالم لكتاب البخاري كتبت في 250 هجريًا، أي بعد وفاة النبي بـ 239 سنة، أي أن جهود البخاري في جمع الحديث من كل بقاع الدنيا، وهو بالمناسبة جهد خارق، تم بعد قرنين من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يدعو لضرورة المراجعة الدقيقة من الهيئات البحثية الإسلامية المعتمدة لكل ما ورد في "صحيح البخاري"، كونه ليس قرآنًا وليس من الثوابت التي لا يصح إسلامنا إلا بها.


إن هذا الحديث (حديث تصفية كعب بن الأشرف) استخدمه ابن تيمية (الداعية الأبرز في وقته، والذي ألف كتبه وأفتى فتاواه في ظل فترة حالكة كان يعيشها المسلمون من حروب التتار والصليبيين وغيرهم في معظم البلاد التي دان أهلها بالإسلام في ذلك الوقت)، للإفتاء بجواز قتل كلِّ من يقوم بسبِّ الرسول حتى لو كان من المعاهدين، أي الذين بينهم وبين دولة الإسلام عهد وميثاق، حيث يقول ابن تيميّة إن قتل كعب فيه "دليل على أن أذَى الله ورسوله عِلّة لنَدْب المسلمين إلى قتل مَنْ يفعل ذلك من المعاهَدِين، وهذا دليل ظاهر على انتقاض عهده بأذى الله ورسوله، والسبُّ من أذى الله ورسوله باتفاق المسلمين، بل هو أخص أنواع الأذى"، وذلك في كتابه "الصارم المسلول"، وهي فتوى خاطئة بلا شك لأن فيها مخالفة صريحة لأمر الله ورسوله بالتسامح والعفو.


الخلاصة يجب إجراء إعادة تدقيق وفرز لكل كتب ابن تيمية وفتاواه وبيان مدى صحتها من خطئها، وإعلان ذلك لجموع الأمة من خلال مراكز بحثية وهيئات معتمدة، في مقدمتها الأزهر الشريف، وهيئات كبار العلماء في مصر والسعودية وغيرها من البلاد التي لديها مرجعيات دينية سنيّة ومؤسسات دينية وبحثية كبرى ومعتمدة.


بقي شيئان آخران يحتاجان إلى تدقيق كبير، وهما مؤثران بشكل كبير في عقول الكثير من الشباب في بلادنا العربية والإسلامية وثقافتهم وطريقتهم في التدين، في مقدمتها كتب سيد قطب، والآخر خطب الشيخ كشك، التي هي منبثقة في الأساس من فتاوى ابن تيمية المتشددة والصادرة في زمن الحرب، وعليها ارتكز معظم "الدعاة الحدثاء المتشددين الجدد" ذوي الشهرة الواسعة أمثال الحويني وحسان وغيرهم، كتب سيد قطب وخطب كشك من الأشياء التي يغفلها كل راغب في إصلاح الخطاب الديني والعودة إلى وسطية الإسلام الرحبة والمستوعبة للآخر.