مباشرة بعد عرضه العالمي الأول بمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، وحصده جائزة الجمهور، عُرض الفيلم الفلسطيني "200 متر" للمخرج أمين نايفة، ضمن مسابقة مهرجان الجونة السينمائي للأفلام الروائية، في انتظار تواجده ضمن قائمة جوائز الدورة الرابعة خلال حفل الختام.
يأخذنا المخرج الشاب في أول أفلامه الطويلة في رحلة أخاذة، تكشف لنا عبر 90 دقيقة شكلا مغايرا يجهله الكثيرون عن أوجه الحياة في فلسطين، ومن دون شعارات رنانة أو مزايدة حنجورية، يحاول طرح وجهة نظر حداثية في التعاطي مع الوضع الراهن.
تدور أحداث الفيلم حول شخصية مصطفى التي يجسدها الممثل العالمي على سليمان، فهو زوج وأب لثلاثة أطفال، رفض في وقت سابق الحصول على الهوية الإسرائيلية، ليعيش مشتتا بين والدته من جهة، وزوجته على الجانب الآخر من جدار الفصل، وعلى مرأى من بعضهم البعض، وبمسافة تقدر بحوالي 200 متر، يتواصل الطرفان.
الزوجة من عرب 48، ولديها من الحرية ما يكفي للتنقل، أما هو فيلجأ إلى التصاريح المؤقتة للتواصل مع العائلة، والعمل داخل الأراضي المحتلة، حاله يمثل عددا كبيرا من الفلسطينيين، الذين شتت أوصالهم بعد بناء الجدار، عن طريق تناول طازج لحكاية حقيقية تحدث كل يوم على مر سلاسل التفتيش عبر الحواجز الأمنية، والتي ترفض ذات يوم دخول بطلنا، وبعد إصابة نجله ودخوله المستشفى، يلجأ إلى أحد المهربين للتسلل إلى إسرائيل والتواصل مع عائلته بشكل طبيعي حتى يوفق أوضاعه.
ومع بداية تحرك الحافلة، تبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر، يخوضها مجموعة من الأشخاص، وكلما مر الوقت يزداد التوتر، والرغبة في وصول مصطفى إلى ابنه، وبعدة خيوط يغزلها المخرج في حلقات متصلة تخدم الهدف الأسمى، يؤسس لها بزج بعض التفاصيل التي تنكشف تباعا، ويزيد من جمالياتها التصوير في أماكن حقيقية، يعكسها أفق متسع وعين يقظة لمدير التصوير.
لا شك أن الفكرة طموحة، ربما كان ينقصها بعض الاعتناء، وقد أثار جدلا بعد عرضه داخل أروقة "الجونة"، حيث هذا الالتباس الذي تعمد أمين نايفة أن يتركنا له، تارة حول جنسية المخرجة الألمانية اليهودية المولودة لأب إسرائيلي، وتارة أخرى لشخصية "كفاح" الشاب المتحمس الذي يوشي اسمه بشيء ما.
الفيلم استغرق إنتاجه وقتا طويلا تجاوز الخمس سنوات، فخرج من إنتاج فلسطيني، أردني، إيطالي، سويدي مشترك، قد تصدى لمونتاجه المصري كمال الملاخ، وعكف مخرجه على كتابة السيناريو وتعديله لأكثر من 7 مرات، ويحوي بين طياته العديد من الموائمات للقضية، وهي ربما نظرة محببة للغرب.
تمتع المخرج بمهارة في توجيه ممثليه، والجمع بين الشكل والمضمون داخل عمل فني يملك بناءً متماسكا، لكنه يظل محل تأويل سواء على المستوى الفني أو السياسي، وقد استلزم جرأة من منتجته مي عودة تستحق عليها الإشادة، ليظل دون شك واحدا من أهم إنتاجات السينما العربية لعام 2020.