الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماكرون وغيره


ربما أصدم بل الأكيد أنني سأصدم الجميع: سيظل ماكرون وكل رؤساء أوروبا وأمريكا والغرب عموما مع رسامي الكاريكاتير ومع غيرهم من الفنانين والكتاب ومع ما يُطْلَق عليه "حرية التعبير"، سواء طال ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أو غيره من الشخصيات الدينية في أي دين من الأديان، ولا يستطيع أن يمنع ذلك مطلقا هو أو غيره من الرؤساء، فليس لهم هنا سلطة المنع أو المنح.
ربما يختلف رد الفعل أو معالجة الأمر من رئيس إلى رئيس فقط، ردة الفعل تلك التي لم يحسنها، عن عمدٍ على ما أظن، الرئيس الفرنسي ماكرون، والذي أظهر من خلاله عدم اكتراث لمشاعر المسلمين، والتي تعكس فيما تعكس استخفافا بهم، ذلك الذي نظن أنه لن يكون سلوك كل القادة الأوروبيين ولا الغربيين عموما، هذا الذي سيحكمه فقط توجهات وقناعات هذا الرئيس أو ذاك، فلو حدث ذلك بالنمسا، موضع إقامتي، مثلا، وليس هناك ما يمنع حدوثه، لوجدنا تصرفا مغايرا، على ما أظن، من الرئيس النمساوي فان در بيلن، حيث إن الرجل رجل سلام يرسخ قيم ومفاهيم العيش المشترك واحترام مشاعر الجميع. عكس منافسه الذي كان قد خاض معه جولة الإعادة في الانتخابات التي جرت في العام ٢٠١٦ ممثل حزب الأحرار اليميني المتطرف نوربرت هوفر، والذي نزعم أنه كان  سيسلك نفس سلوك الرئيس الفرنسي، بل ربما يزايد عليه، فلقد وصف القرآن الكريم بأنه الأكثر خطورة من كورونا على النمسا، ذلك الذي دفع الشاب المصري ياسر جويد "نجل صديقنا الدكتور الجراح محمد عزت جويد عميد الجالية المصرية بالنمسا" - الذي أعلنا دعمنا له - للرد عليه عبر إنستجرام، فما كان من المرشح السابق للرئاسة النمساوية إلا أن رفع عليه قضية، مازالت منظورة أمام القضاء بالنمسا حيث خيَّر قاضي الدرجات الأولى، في آخر جلسة تمت من المحاكمة التي حضرها كبار المحامين عن السياسي النمساوي،  الشابَ المصري الغيور على قرآنه ما بين الاعتذار للسياسي النمساوي أو دفع مبلغ مالي كبير غرامة عقابا على رده عليه الذي رأى القاضي فيه تجاوزا يحاسب عليه القانون، فكان إجابة ياسر للقاضي؛ أن لو المدعي عليه اعتذر عما بدر منه عن القرآن الكريم، فإنه هو الآخر سيقدم له الاعتذار الذي طلبه منه القاضي، هذا الذي لم يجد قبولا من المرشح السابق للرئاسة النمساوية ما أحال القضية لدرجة أعلى يتوقع ياسر أن تزيد الغرامة المالية كما ذكر خلال مناشدته أبناء الجالية الإسلامية لمؤازرته من أمام المحكمة في مدينة جراتس النمساوية.


لعله من المناسب أن نؤكد أنه من الممكن أن نجد في إحدى الصحف الغربية في أية لحظة من اللحظات هجوما أو سخرية من السيد المسيح عليه السلام، فلقد رآه الكثير من الكتاب أو المفكرين الأوروبيين مُدَّعِيا، ومنهم من رفض الدين جملة وتفصيلا، ووصفه الكثير منهم بأوصاف مخجلة، وأيضا تم تناول السيدة العذراء تناولا سلبيا واتهمت بأبشع التهم، فلا يوجد في المجتمعات العلمانية تقديسا لشخص أو لدين أو لحدث، فالمجتمعات العلمانية تضمن لمن يعيش بها أداء طقوسه الدينية في ذات الوقت الذي تسمح لغير الدينيين بإبداء رأيهم في كل شيء حتى لو كان في هذا الرأي تطاولا على المقدسات، ذلك الذي لا يمكن أن يقبله المتدينون في كافة الأديان، وستظل الدول العلمانية تحافظ على هذا وذاك،  ومن هنا التزم وسيلتزم رؤساء أوروبا العلمانية بالوقوف مع ما يعتبرونه "حرية التعبير" إحدى تلك المكتسبات التي حازها الإنسان الأوروبي بعد صراع طويل، ولن يتنازل عنها مهما كانت التهديدات.


وهنا يبرز هذا السؤال: ما الحل؟!.
لن يُمْنَع في أوروبا إلا ما يمنعه القانون وطالما لا يمنع القانون تناول الشخصيات التاريخية أو الدينية فسيظل هناك من يتناولها مرة بالسلب وأخرى بالإيجاب.
فهل يمكن أن يُقَرَّ قانونٌ يمنع التعرض للرموز الدينية أو المقدسات أو الشخصيات التاريخية في أوروبا؟.
الإجابة في تصوري أن ذلك صعب جدا إن لم يكن مستحيلا، فهذا، سيرفضه الأوروبيون خوفا من العودة إلى السلطة الدينية التي عانى من سطوتها العقل الغربي على مدار عشرة قرون عاش فيها العقل الأوروبي في ظلام دامس، ومع ذلك فإننا نرى أن السعي في محاولة إصدار مثل هذا القانون هو سعي مشروع، وهذا هو الطريق الوحيد والذي نتيجته ضئيلة للغاية.
وإننا نرى أن القياس على قانون معاداة السامية الذي نراه حالة خاصة وحيدة وأظن أنها لن تتكرر لهو قياس يمنح أملا كاذبا.


أما الدور الذي أرى أنه خليق بنا وأننا خليقون به - بعد أن نؤكد أنه لا بأس من الشجب وإعلان أعلى درجات الغضب والحزن، لأن ذلك يعبر عن مشاعرنا النبيلة تجاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن أردنا ردا واقعيا موضوعيا مؤثرا فهو أن نصبح في قلب العالم، أن نصبح منتجين، أن نصبح مؤثرين في العالم، فنحن لن نستطيع أن نجبر أحدا على احترامنا واحترام عقيدتنا واحترام مقدساتنا بالشجب ولا بالتخويف، بل بالتطور والتقدم والرقي.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط