أعلنت إيران في الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي عن افتتاح قاعدة عسكرية جديدة شرق مضيق هرمز على مساحة (31 هكتارا) في محافظة (سيريك) قبالة دولة الإمارات مباشرة وهي بالطبع منطقة حساسة. وصرح اللواء (حسين سلامي) قائد الحرس الثوري:- (إن القاعدة نقلة نوعية في مجال الدفاع والهجوم بمضيق هرمز وبحر عمان وإستراتيجية تضع القاعدة في أهم نقطة للدفاع والهجوم بمياه الخليج) وأضاف (تمكنا من رصد حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس نيميتز قبل دخولها مضيق هرمز بخمسة أيام).
الجدير بالذكر أن الحرس الثوري الإيراني أعلن من قبل انضمام 188 طائرة مسيرة ومروحية محلية الصنع لاستخدامها في رصد التحركات البحرية بالمنطقة وبالرغم من إعلان إيران أن القاعدة مبرمجة منذ العام 2014 والقاعدة موجودة بالفعل منذ العام 2016 وليست فريدة ولم يتم تطويرها أو زيادة قدرتها إلا أن الإعلان عن افتتاحها واختيار هذا التوقيت هو محاولة لاستعراض القوة وإثبات أن إيران تستطيع التحكم في مضيق هرمز خاصة أنه سبق وأن هددت إيران بإغلاق المضيق وقامت بإنشاء أنبوب بمساحة ألف كيلو متر لنقل النفط دون الذهاب لمضيق هرمز وهي تريد أن ترسل رسالة لدولة الإمارات أولًا ثم لإسرائيل والولايات المتحدة.. وإيران تعلم جيدًا أنها لا تستطيع إخافة أمريكا ولا حلفائها لأنها ببساطة لا تشكل خطرًا فكل ما تمتلكه إيران من قوة ضاربة ليس في القطع البحرية وإنما في الصواريخ السريعة والصغيرة الحجم وصواريخ الكروز إضافة إلى ما يقرب من 500 قارب سريع وثلاث غواصات وفرقاطات وكل ذلك لا يقارن بالقدرة القتالية والمناورة العملية مع حاملة الطائرات الأمريكية والمجموعة المرافقة لها..
التصريحات العدائية من الجانب الإيراني ظلت تتساقط على الإمارات طيلة الأسبوعين الماضيين والمشكلة أن هناك أكثر من جهة تُصرح في إيران فنجد تصريحات من الرئيس الإيراني وتصريحات من قائد الحرس الثوري.. أو قائد البحرية.. أو رئيس البرلمان أو مساعد رئيس البرلمان إلخ.. هناك حالة سيولة في التصريحات الإيرانية ولا توجد لديهم جهة محددة مختصة بالتصريح مثل باقي دول العالم ولكن وسط هذا الكم من التصريحات لفت نظري حقيقة تصريح ظريف وطريف لوزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) يقول فيه:- (علاقات إيران مع دول الجوار قائمة على الإحترام وحسن الجوار وبعض الدول مثل السعودية والإمارات والبحرين ترفض إقامة علاقات وطيدة مع إيران)!!!
واضح بالطبع أن الوزير (ظريف) لم يكن لديه وقت ليراجع تصريحات باقي القيادات الإيرانية.. لم يقرأ تصريح مساعد رئيس البرلمان الذي قال:- (لن نتأخر في استهداف الإمارات إن أطلق أي هدف معلن أو خفي من الموساد!!!).
ولم يسمع تصريح الرئيس روحاني نفسه (الذي دعا الإمارات للتراجع عن تحالفها مع إسرائيل وحذر الإمارات والبحرين لأن عليهما تحمل جميع العواقب الوخيمة..).لو أن إيران تتصرف بحكمة لا تبحث عن أوراق تهديد ضد الإمارات بعد هذا الاتفاق ولابد أن تفهم أن للإمارات والبحرين وغيرهما وأي دولة ذات سيادة من حقها أن توقع ما تشاء من اتفاقيات تعاون وربما تكون الإمارات قلقة من الدور التركي في ليبيا وسوريا الذي ليس من المستبعد أن يستهدف المصالح في الإمارات أو أن لديها مصالح مشتركة مع إسرائيل تعاون اقتصادي مثلًا أو أي أسباب أخرى تخصها وحدها ليس بالضرورة أن يكون موجها ضد إيران وهذا ما أكدته الإمارات مرارًا وتكرارًا أن الإتفاق مع إسرائيل لا يستهدف إيران.
لكن من الواضح أن هذه التأكيدات لا تكفي لأن مستوى التوجس لدى القادة الإيرانيين عال جدًا.. إيران قلقة من تغلغل إسرائيل في المنطقة أو أن تتحول العلاقة الإماراتية الإسرائيلية إلى تواجد حقيقي في جزيرة سقطرى والبحر الأحمر وهذا سوف يكشفها أكثر سياسيًا وأمنيًا إضافة إلى أن هناك هجمات سيبرانية متبادلة بينهما كانت لإسرائيل اليد العليا فيها وأيضًا انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وسياسة العقوبات والضغوط الأمريكية القصوى التي بدأت منذ عامين وسوف تستمر لأعوام قادمة مع مزيد من التخلي الأوروبي، كل هذه العوامل أدت إلى جعل النظام السياسي في إيران تحت الشمس بلا شركاء لذلك فإيران تحاول أن تقول أن لها اليد العليا في مدخل ومخرج هذه المياه في هرمز وقد إختارت هذه النقطة تحديدًا بالمعنى الجغرافي وهي أقصى نقطة في حدود إيران على بحر عمان وتسمى (النقطة صفر) وهي حيوية وإستراتيجية لأن المياه فيها أكثر عمقًا وتفضلها السفن التجارية والعسكرية وتقع في الجبهة المقابلة لدولة الإمارات مباشرة وهو ما سيمنح إيران قدرة أكبر على المناورة من وجهة نظر الحرس الثوري الذي يمثل مؤسسة عسكرية منفردة في المشهد الإيراني ويحاول الاستفادة من الأزمات لتعظيم نفوذه ومكاسبه السياسية لذلك ذهب للتصعيد أكثر بالتهديد بتحريك ما تسميه إيران المقاومة في مناطق مختلفة وقالها صراحة رئيس الحرس الثوري- (الإمارات حولت نفسها لهدف مشروع للمقاومة).
وأضاف:- (كلما زادت الضغوط سنزيد دعم المقاومة ولن نكتفي بالكلام).
وإيران بالطبع جاهزة لاستخدام هذه الأذرع الإرهابية كالحوثيين وحزب الله اللبناني وحزب الله العراقي وغيرهم.. ولكن كيف لإيران أن توجه وتنفق على هذه الحركات في ظل تردي أوضاعها الاقتصادية.. واستنزافها في سوريا والعراق.. إيران منهكة لأنه تم استدراجها لمعارك كثيرة وتم استنزاف تدريجي لها سياسي واقتصادي دون أن يلوح أي حل في الأفق.. هي وافقت على الاتفاق النووي 5 + 1 واعتبرته بوابة للأمن ولكن كل الأمور جاءت بعد ذلك عكس التوقعات تمامًا وعادت إيران إلى المربع صفر مثل العام 1980 متهمة منبوذة.. وعلاقاتها بجيرانها غير جيدة.
لذلك فإن النظام الإيراني يحاول أن يفرز كل حالة الغضب التي يعانيها لأنه يشعر بأنه أُخذ على غرة، كما يقولون تم وعده بشيء وحدث شيء آخر لذا فهو يدفع بأعلى مستوى من حدة التصعيد بالتحدث عن ورقة حركات المقاومة المزعزعة لأمن الدول ولكنه تصعيد كلامي هذا هو السيف الوحيد الذي تشهره إيران لإخافة الأطراف.. إيران لو أقدمت على تنفيذ تهديداتها ضد دولة الإمارات سوف ترتكب بذلك حماقة كبرى لأنها ستكتم الرئة الوحيدة التي يتنفس منها الاقتصاد الإيراني فبرغم النفور السياسي بين إيران والإمارات هناك حجم ضخم من التجارة بينهما وصل في العام 2019 إلى 13,5 مليار دولار فالإمارات الأولى عربيًا والثانية عالميًا بعد الصين في التبادل التجاري مع إيران رغم العقوبات الأمريكية وكانت الرحلات الجوية بينهما تصل إلى 100 رحلة أسبوعيًا قبل جائحة فيروس كورونا.
القادة الإيرانيون يتحدثون وكأن الاقتصاد لا يمثل أولوية في التقدير الإستراتيجي الإيراني وأن الإمارات ما هي إلا وسيط تجاري مع أطراف ثالثة يمكن استبداله وهذا غير صحيح بالمرة حيث قال المرشد (عندما يصبح الأمن القومي الإيراني مهدد فإن قضية الاقتصاد غير مهمة)، المرشد يقول هذا وهو يدرك تمامًا أن إيران ليس لها خيارات كثيرة في ظل العقوبات وأنمن 70 : 80% من التحويلات الإيرانية تتم عبر الإمارات وأن أي نظام اقتصادي جديد في المنطقة سيضاعف خسائر إيران ويزيد من عزلتها.. فمثلًا لو استبدلت الإمارات الشركات الإيرانية بشركات إسرائيلية أو غير إسرائيلية من سيكون الخاسر؟ الإمارات.؟ إطلاقًا الخاسر الوحيد سيكون إيران.
أيضًا تصريح الرئيس الإيراني الذي قال فيه:- (إيران لا تمزح في أمنها القومي وأن أي تهديد للأمن القومي الإيراني سترد عليه إيران) واضح أن كل الزعامات الإيرانية تتحدث بشكل كبير حول جهوزية إيران وهذا الكلام لا علاقة له بالأفعال.. فالقيادة الواثقة من نفسها تقول هذا التصريح مرة واحدة ولكن نظرًا لحالة الإرتجاف التي تعيشها إيران يردد المسئولون هذا التصريح ليلًا ونهارًا لأنهم لا يملكون سوى التصعيد اللفظي.. إيران بالطبع ليس فقط لا تريد الدخول في مواجهة عسكرية هي في واقع الأمر لا تستطيع الدخول في هذه المواجهة والظروف تخدمها لأن الطرف الآخر وهو أمريكا رغم عدم تقبلها ما يحدث من استفزازات إيرانية لكن من مصحلة الرئيس ترامب عدم الدخول في صراع عسكري مع إيران.. لذا فالخمسة وثلاثون يومًا المتبقية على الإنتخابات الأمريكية ترامب وحزبه في خضم حملة انتخابية استثنائية وترامب سيحاول تحسين حظوظه الانتخابية وأنه حقق نصرا في السياسية الخارجية على حساب إيران دون مواجهة عسكرية لأنه لا أحد الفترة القادمة يريد رؤية مواجهة عسكرية في المنطقة بين إيران وأمريكا، لذا ستزيد الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران وبالطبع فإن النظام الإيراني حريص على البقاء والاستمرار وسيستغل حالة السيولة في العالم في ظل غياب القوى الكبرى وعدم رغبة أمريكا في الحسم.
خلاصة القول: إيران لن تقوم بتغيير فجائي لسياساتها ولا نهجها العدواني في المدى القصير ولن تبعث برسالة طمأنة واحدة مثلما تبعث برسائل عسكرية وتهديد ولن تعمل على تحسين علاقاتها مع جيرانها أو تتعامل مع الإمارات كجارة يجب احترامها والتعاون معها... إيران لا تريد التماس العسكري إنما التوتر والذهاب للهاوية ثم التهدئة وهذا ما فطن إليه الجميع لذا لا أحد يكترث بالتصريحات الإيرانية المستهلكة ولا بالتهديدات الجوفاء فالكل أصبح يدرك جيدًا أن ما يحدث هو لعبة إيرانية خالصة.