الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في المشهد الانتخابي «2».. ضمير الأمة


ليس من الضروري لدى الكاتب أو صاحب الرأي أن ينزل المجتمع أو حتى صاحب القرار على رأيه أو أن يتم تنفيذ فكرته أو أن تتحقق رؤاه، فهو يعلم أن هذا لن يتحقق في الغالب الأعم، ومع ذلك يظل هذا الكاتب أو صاحب الرؤية مستمرا في مطالباته التي يؤمن بها إيمانا راسخا ويرى فيها صلاحا للدولة والمجتمع.

والأمر بهذه الصورة ليس نوعا من العبث وليس نداء في فلاة لا يجد من يسمعه، بل إن الأمر بهذا الشكل هو عين الصواب فلا يمكن لدولة، فضلا عن مجتمع، أن يقوم على تنفيذ فكرة ولا تحقيق رؤية لأنها خرجت عن هذا الكاتب أو صدرت عن هذا المفكر وإلا لكنا في العبث ذاته نحيى.

إذًا ما جدوى هذا الحبر المسكوب على الورق، وما فائدة تلك المساحات المحجوزة لهؤلاء الكتاب وأولئك المفكرين في عالم الفضاء الإلكتروني إن كان ليس من الحكمة أن يتم تنفيذ ما يطرح فيها من أفكار ورؤى؟. والإجابة ببساطة شديدة أن كل ما يطرح وجميع ما يقدم يشكل الصورة الكلية لما يعتمل في هذا المجتمع وما يتصارع في هذه البيئة من توجهات، ذلك الذي يضع على كاهل الكاتب أو المفكر مسؤولية إبراز الصواب من الخطأ وإظهار الصالح من الطالح، وفرز الفاسد من الصحيح في حالة جدلية لا تفارق الواقع ولا تتعالى على المجتمع، ذلك، وهو فقط، أقصى حالات اضطلاع الكاتب بمسؤولياته.

من هنا فإننا نرى أن الكتاب والأدباء والمثقفين، في سيعهم الحثيث لقراءة المشهد قراءة صحيحة، وتقديم التصورات والرؤى، والتحذير في موضع الخطر، والتشجيع في موضع الصواب، هم من يضعون أمام الأمة من ناحية، وأمام صانع القرار من ناحية ثانية، الصورة بكافة تفاصيلها وكل دقائقها، ليستطيع، كلٌّ من الشعب والحاكم على حد سواء، تبنٍّي الرؤية الصحيحة، من بين تلك الرؤى المتعددة التي يقدمها هؤلاء الذين هم  ضمير الأمة الذي يجب أن يظل في أقصى حالات اليقظة وإلا أصبحت الأمة بلا ضمير وتاهت، من ثم، في دروب الحياة غير المتناهية.

ولأن الأمر كذلك، فإننا لا يمكن أن نتخلى عن دورنا في التنبيه على أن ما يتم في الانتخابات البرلمانية لا يمكن أن يكون في صالح المجتمع المصري ولا يمكن أن يسهم في إثراء الحياة السياسية المصرية، بل على العكس من ذلك، فإننا نرى، وتمثيل المصريين بالخارج نموذجا، أن الآلية التي يتم عليها الاختيار هي آلية فاشلة بكل المقاييس ولن تأتي بتمثيل حقيقي لهذه الفئة في البرلمان الجديد، ولا ببرلمان، في المطلق، يعكس رأي الشعب، ويعمل لمصلحته.

وبنظرة مدققة في فئة المصريين بالخارج فإننا نستعرض التالي

أولا: إن عدد فئة أبناء مصر في الخارج، وبحسب آخر بيان صادر عن جهاز التعبئه والإحصاء، يدور حول الرقم ١٢ مليون مواطن مصري، وهو ما يعادل عُشْر عدد سكان مصر، وليس هناك ما يدعو للتذكير بالدور الذي تقوم به هذه الفئة في كافة المجالات لصالح الوطن، فهو معروف ومعلوم للمسؤولين والمتابعين بل ولكل أبناء الشعب المصري، هذا الذي يدفعنا بكل قناعة لنرفض عدد الثمانية نواب، فهذا لا يناسب بحال من الأحوال هذا العدد الكبير من أبناء الوطن والذين هم في حاجة لمن يعبر عنهم بالشكل والعدد المناسبين.

ثانيا: لقد طالبنا مرارا وتكرارا على مدار خمس سنوات هي عمر البرلمان المنتهية ولايته، أعلنا أنه يجب أن يخضع تمثيل المصريين بالخارج بمجلس النواب لحوار مجتمعي يشارك فيه كل ذي رأي وكل صاحب رؤية، خاصة وأن أبناء مصر في الخارج يملكون كفاءات قانونية ودستورية كبيرة، حصل بعضها على درجات الدكتوراة ويعمل بعضها في أكبر جامعات العالم محاضرا في هذا المجال الهام. وللأسف لم يلتفت أحد لما طلبناه.

ثالثا: لقد ثبت لكل من له عينان أن طريقة انتخاب ثمانية لتمثيل أبناء مصر في الخارج بالبرلمان هي طريقة فاشلة لا يمكن أن يأتي من خلالها نائب يمثل تطلعات أبناء مصر في الخارج، فضلا أن يعبر عنهم، حيث كان لابد على من يرغب أن يحظى بشرف تمثيل المصريين بالخارج أن ينضم لقائمة وهو ما جعل القوى المتحكمة في تكوين هذه القوائم سيفا مسلطا على رقاب مصريي الخارج بفرضهم لما تربطهم بهم علاقات ومصالح على هذه القائمة! ومن ثم ينزلون بباراشوت محتلين للكراسي الثمانية المخصصة للمصريين بالخارج.

رابعا: إن التجربة الأولى لتمثيل المصريين بالخارج بمجلس النواب جاءت باهته بأقل وصف، أما ما فوق  الأقل فإننا يمكننا أن نصفها بالفاشلة كل الفشل، ويمكننا أن نعلن ونحن مرتاحو البال أن الثمانية أعضاء قد سقطوا سقوطا مروعا، وهو ما يؤكد الحاجة إلى تمثيل جديد يحمل هم أبناء مصر في الخارج ويعبر عنهم ويعمل على حل مشكلاتهم، ويعكس تطلعاتهم، ولكن القائمة التي قد تم الإعلان عنها حملت، تقريبا، نفس الاسماء وهو ما أصاب الجميع بإحباط شديد، ناتج عن أن الواقع بهذا الشكل المرسوم وطريقة الأداء وأسلوب الاختيار يعيد إنتاج نفسه، ويقدم نفس النماذج! ما يعكس حالة الانسداد التي ذكرناها آنفا.

خامسا: لم يخف على أحد ما يشاع عن استخدام المال السياسي الذي جاوز كل الحدود، هذا الذي رسخ في أذهان الغالبية الساحقة من أبناء مصر في الخارج أنه يتم شراء مقعد البرلمان عنهم لمن يستطيع أن يدفع أكثر في مزاد شبه علني، وهو ما يدفعنا دفعا إلى العودة للمطالبة بآلية واضحة بعيدة كل البعد عن الشبهات في اختيار المترشحين على مقاعد المصريين بالخارج. هذه الآلية التي يجب أن يكون حاكمها فقط هو  كفاءة من يرغبون في الترشح لهذا الكرسي.



المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط