الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.هبة شفيق تكتب: تدوينات الألم (2).. ما لا يُـفهـم

صدى البلد

أشياء كثيرة في الحياة لا نُدرك أسبابها إلا بعد مُضي وقت طويل من الزمن، وتتغير في أنفسنا مواطن عديدة للفرح والألم منذ الطفولة وحتى سن النضج، وبعد أن ننضج يستمر نمو تجاربنا بتنوع واختلاف الشخصيات بمحيطنا الاجتماعي. بعض الأحداث التي تقع لنا لا نفهم مدلولها إلا مع مرور الوقت، بعض الأقدار لا نعرف حكمتها لكننا نستمر في تقبلنا لها، والرضا بها، والتعايش معها، ولا نتسأل عن سبب لها. 

في طفولتي كان السؤال الأكثر حيرة بالنسبة لي ولم أكف عن تكراره في حديثى مع نفسي وكأنه محرمٌ أن أطرحه على الملاء، "لماذا يستطيع من هم بنفس عمري الجري والمشي دون الشعور بالتعب والألم مثلي؟"، كنت دائمًا أكره الزيارات المنزلية، وكانت فكرة اضطراري لخلع الحذاء توصلني لدرجة كبيرة من التوتر النفسي، وأفكر.. في أي سؤال سخيف سأتعرض! 

كونك مُخْتَلف ولو بنسبة ضئيلة عمن هم في مثل مرحلتك العمرية، وبالأخص داخل مجتمعنا المصري والعربي، يجعلك محبوس داخلك، ومقيد بمخاوفك، تطاردك آلآلمك التي لم تقتصر فقط على الألم العضوي بل أيضًا الألم النفسي متزامنان متلازمان دون رحمة، ويفقد لسانك النطق، فلا تجد من تبوح له بما يأن بين الضلوع، ولا حتى الإشارة إلى ما يسبب لك الضيق. كانت تلك الأفكار مستمرة في مطاردتي، واستمر إهمالي لصحتي لسنوات، لأجني أشواك الإهمال وتستمر معاناتي طوال خمس سنوات مضت.

كانت البداية عام 2015 وقتها لم أكن أستطيع أن أرتدي أى حذاء، لا أستطيع السير ولا حتى الوقوف، كان التهاب المفاصل قد طال جميع مفاصل قدماي، آلام شديدة بالأوتار والعضلات، وآلام مزمنة بالركبتين، كنت قد أهملت ذلك الوضع عامًا كاملًا، حينها كنت أسعى لإنهاء رسالة الماجستير ولم أرد أن ألتفت لأي شيء آخر حتى لو كان الثمن صحتي، عامًا من البكاء ليلًا وتناول المسكنات التي مع الوقت لم تعد تنفع.

يوم الأحد 28 فبراير 2016، في ذلك اليوم عدت من العمل، وبمجرد أن دخلت إلى المنزل انهرت بالبكاء والصراخ: "لا يمكنني التحمل أكثر من ذلك.. لا أستطيع العيش هكذا"، منذ ذلك اليوم بدأت معركتي مع الألم، ولليوم لم تتوقف محاولاتي عن مواجهة الألم، الألم الذي غير حياتي.

أتذكر أني كنت أخجل أن أبوح بحقيقة ما أعانية. كان هناك عدد من الزملاء لطفاء معي خلال تلك الفترة وفترات أخرى تلتها، وكان من أعمل معهم مقدرين لما أمر به، وعلى الجانب الآخر قابلت النوعية الأخرى التي لا يسلم منها أحد، لتستعيد ذاكرتي كلمات سخيفة كنت أسمعها بالمدرسة الثانوية، لم أسلم حتى وأنا إنسانة ناضجة أعمل مع أساتذة بالجامعة هم أكثر الناس نضجًا ووعيًا ورقيًا. 

البعض ظن أنني أكذب من أجل التقاعس عن أداء عملي والمهام المكلفة بها، البعض كان يقارن بين سني وما أعانيه ويقنع نفسه بأني لئيمة مخادعة أتظاهر بالمرض، وكان جُل ما أردته فقط أن لا أقف لساعتين متتاليتين لا أكثر!

في بعض الأحيان ألتمس لهم عذر عدم المعرفة بالحالات الطبية المختلفة التي تجعل الشباب يعاني من آلام مزمنة، ألتمس لهم العذر لأن بطبيعة مجتمعنا المصري سوء النية حاضرًا في كل شيء وقبل كل شيء، ألتمس لهم العذر لأن لا أحد منا قد عاش معاناة الآخر فكيف ألومهم على ما لا يعلمونه، ولماذا اضطر إلى شرح ما لا يُفهم؟

أما عن ما عانيته خلال عام مضى، فقد كان أشبة بحلم غريب، حين تغرق في النوم وتتسارع الأحداث داخل رأسك لا أنت يقظ ولا أنت هانئ، تستيقظ وأنت تشعر بالغثيان والدوار وما تلبث دقائق حتى تعود لدوامة من الأحداث المتتالية، كنت تلك التجارب والأحداث أكثر مما يحتمل اختباره إنسانًا. عام بدأت معه رحلتي للتطور الروحي والنفسي، عاما أصحبت معه إنسانة جديدة أكثر حكمة وعقلانية، وتغيرت نظرتي للعديد من أمور الحياة.