الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دينامية السلام


أعلنت واشنطن يوم الجمعة الماضي في بيان رسمي مشترك للولايات المتحدة والبحرين وإسرائيل اتفاق البحرين وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة في خطوة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط من خلال الحوار والعلاقات المباشرة.


واعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الاتفاق بين إسرائيل والبحرين في هذا التوقيت لم يتوقعه أحد وشكر قادة البلدين على رؤيتهم التي ساهمت في التوصل لمعاهدة السلام، وبغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع الخطوة البحرينية فإن هناك حقائق لا بد أن نسلم بها:


أولًا: إن إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل هو قرار سيادي للبحرين والإمارات ولأي دولة.. وكل اتفاق يبرم حسب مصالح ورؤية الدولة التي توقعه وهذه الرؤية تختلف من بلد لآخر فالإمارات لديها عوامل فريدة وخاصة بها غير دول الخليج الأخرى وبالنسبة للحالة البحرينية فالأسباب عديدة ، ففي سنوات المقاطعة مع إسرائيل حاولت بعض القوى الإقليمية استغلال هذا الفراغ وتجييش القضية الفلسطينية لتحقيق أطماع خاصة في المنطقة وكانت البحرين إحدى ضحايا هذا الفراغ وأنا أتحدث تحديدًا عن إيران، وهناك عدد كبير من الشيعة في البحرين مما يعني تواجد النفوذ الإيراني وقد رأينا التهديد الصريح الواضح من ذراع إيران العسكري (الحرس الثوري الإيراني) لمملكة البحرين بأنها سوف تتلقى ردا قاسيا وقويا ممن أسماهم المجاهدين في سبيل الله!! مما يعني أن التهديدات الأمنية الإيرانية ليست خرافة ولا احتمالات.. لذلك فالبحرين ستضمن بهذا الاتفاق بقاء الأسطول الأمريكي الخامس للتصدي لأي عدوان إيراني وتدفق طائرات F35 عليها كما سيجعل البحرين في وضع أفضل بكثير مع واشنطن لأنها ستتحول إلى فاعل وشريك في رسم سياسة جديدة في المنطقة.


ثانيًا: إن ترحيب مجلس الشورى والنواب البحريني بجهود إحلال السلام وقبول المنامة أن توقع اتفاق السلام في نفس موعد توقيع الإمارات ليكون الاتفاق اتفاقين يعني توافر القبول الشعبي للاتفاق على عكس ما يروج له البعض فهناك وضع حقيقي قائم على الأرض في البحرين يقبل مثل هذه الاتفاقيات.


ثالثًا: إن الاتفاق هو خطوة مهمة بالتأكيد واستثنائية والانفراج الدبلوماسي ربما يعزز حلول السلام فهو يمنح الدول العربية مزيدا من الأوراق للتفاوض والتباحث وتقديم كافة أوجه الدعم للقضية الفلسطينية وترحيب مصر والأردن وهما دولتا المواجهة مع إسرائيل يدل على أن الاتفاق مرحب به وليس كما تحاول أن تصوره بعض الفصائل الفلسطينية التي تتلقى أوامر من تركيا وقطر.. قطر التي اكتفت بالصمت ولم تعلق على الاتفاق وأتحدى أن تخرج وزارة الخارجية القطرية ببيان يشجب الاتفاق الإسرائيلي البحريني فقط توظف أذرعها الإعلامية لمهاجمة البحرين والإمارات.. 


وشئنا أم أبينا فإن السياسة العربية تأخذ منحى جديدا وهناك إجماع عربي على تجربة الحل السلمي لتحقيق سلام عادل وبناء جسور جديدة ومن ثم فإن اتفاقيات السلام أصبحت أمرا واقعا لصناعة رؤية جديدة لدول المنطقة في التعاطي مع مصالحها المستقبلية وعلينا أن ننتظر ما ستؤول إليه النتائج فربما تكون بادرة خير للشرق الأوسط وتؤسس للسلام فعندما وقع الرئيس السادات اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر 1978 وأثارت الكثير من الجدل حتى داخل الشارع المصري ونسأل حينها السياسي العظيم الراحل الدكتور أسامة الباز عن نتائجها وقد كان مشاركًا فيها فقال إن النتائج لن تظهر اليوم أو غدًا نحتاج إلى سنوات لنحكم على الاتفاقية ونرى نتائجها بوضوح..


رابعًا: إن خطة السلام العربية اليوم هي على المحك فالمبادرة العربية كانت تنص صراحة لتحقيق السلام الشامل والعادل وتنفيذ القرار الأممي (242) على صيغة الأرض مقابل السلام.. الآن ما نشهده هو السلام بالصيغة الإسرائيلية السلام مقابل السلام والاقتصاد مقابل الاقتصاد كما قال نتنياهو. لذلك ينبغي أن يتوقف نتنياهو عن السلام مقابل السلام ويعود لمبدأ الأرض مقابل السلام والكرة الآن في ملعب إسرائيل لتبرهن أنها تستحق هذه الاتفاقيات وتريد السلام لا الحرب من خلال إعطاء الفلسطينيين حقوقهم وإرساء دعائم السلام حتى نشعر بأن هناك مكاسب مقابل السلام مع إسرائيل.. إعطاء بارقة أمل للفلسطينيين بمفاوضات تلبي الطموحات الفلسطينية وتحقق الحد الأدنى من أوسلو للحفاظ على الدولة الفلسطينية.


خامسًا: الموقف المصري لم يكن متسرعا كما حاول الإعلام القطري المشبوه أن يزعم ولكنه على العكس محسوب بدقة وينطلق من أرضية الموقف تجاه عملية السلام وتجاه القضية الفلسطينية.. والترحيب المصري أكد على استقرار المنطقة وقد قالها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي نصًا: (بما يحقق التسوية العادلة والدائمة للقضية الفلسطينية) وهو ما يعكس أماني مصر في أن تجلب الاتفاقية الأمان والأمن والسلم للمنطقة فصناعة استقرار مستدام ونمو مستدام لن يأتي إلا بالأمن كما أن المبدء الذي أعلنته البحرين ومن قبلها الإمارات هو الحفاظ على الوضع الفلسطيني وحل الدولتين وهو ما يضفي بعدا عربيا وإقليميا ويؤكد أن القضية الفلسطينية لم تغب عن الإتفاقيتين بالإضافة إلى أنها ليست مفاجأة فالأمور كانت واضحة للجميع منذ مؤتمر (وارسو) المعروف باسم مؤتمر الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة في فبراير 2019 وحضره وزراء الخارجية العرب وحينها قال مايك بومبيو: (إن هدف المؤتمر هو التركيز على تأثير إيران وإرهابها في المنطقة) أي أن الغرض كان ائتلافا عالميا ضد إيران وبعدها ورشة المنامة في البحرين التي عقدت تحت شعار مبادرة القرن (الازدهار طريق السلام) بدا واضحًا أن الإستراتيجية الأمريكية في ظل إدارة ترامب هي التخلي عن المواقف المعادية لإسرائيل ومزيد من الضغط على إيران.. شرق أوسط جديد كما قال بومبيو.. إن خريطة إدارة ترامب الهدف منها هو تطبيع العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل والبحث عن حلفاء جدد لتقليص خطر إيران والإخوان المسلمين هذا هو الشرق الأوسط 2020.


وهذه الاتفاقيات يجري العمل عليها منذ فترة طويلة وليست بسبب الانتخابات الأمريكية فمنذ كان ترامب مرشحا في 2015 وهو يتحدث عن صفقة سلام في الشرق الأوسط وهو رجل أعمال ويراها فرصة اقتصادية ضخمة وهو يجيد عقد الصفقات لذلك قال كوشنر (إن كل الوعود التي طرحها الرئيس ترامب بشأن السلام تم تنفيذها) وغرد ترامب قائلًا: (هذا اختراق تاريخي لتعزيز السلام في الشرق الأوسط) وأضاف: (المنطقة ستصبح أكثر رفاهية وهناك أشياء تحدث في الشرق الأوسط لم يكن أحد يتخيلها).


وهذا حقيقي لم يكن أحد يتخيل أن تتغير السياسة الخارجية للدول العربية بشكل كبير يثير جدلا وربما صدمة لدى البعض لكن المطلوب الآن من القيادة الفلسطينية تغيير العقلية الذهنية والتعاطي بشيء من الواقعية ومحاولة استغلال الفرص وتحويلها إلى مكتسبات تقدم للشعب الفلسطيني.. الإمارات والبحرين تقدم دعما ولن تأخذ دور الفلسطيني في التفاوض والدفاع عن قضيته فهذه الإتفاقيات تدعم التفاوض مرة أخرى.


والفرصة لا تزال قائمة لمساعدة الفلسطينيين شريطة تغيير في الداخل الفلسطيني واستحداث آليات للتعاطي مع الموقف العربي والخليجي.. العرب مهما عقدوا من اتفاقيات سلام لن يكونوا إلا النصير الأكبر للقضية الفلسطينية، لا يمكن أن يتخلى إماراتي أو بحريني أو مصري أو أردني عن توفير الغطاء لإقامة دولة فلسطينية.. لكن السلطة الفلسطينية لا تزال تستخدم لغة وأساليب لم تحقق انتصارا على أرض الواقع على مدار 50 عامًا وهي لغة التخوين، لا بد من تغيير المفاهيم والتلاقي في منتصف الطريق.


هكذا العقلانية السياسية لكن ما نراه هو نفس السيناريو الذي حدث مع الإمارات يتكرر مع البحرين وبنفس القرار المتسرع تم سحب السفير الفلسطيني من المنامة بأوامر من وزير الخارجية الفلسطيني (رياض المالكي) وأعتقد أنه سوف تكتمل باقي الخطوات من حرق علم البحرين مثلما تم حرق علم الإمارات إلى آخره... حماقات سياسية كبيرة ترتكبها السلطة الفلسطينية حتى عندما تدخلت السيدة (سها عرفات) بما لها من مكانة في المشهد الفلسطيني كزوجة للقائد العظيم ياسر عرفات وحاولت الاعتذار عن هذه التصرفات الطائشة وهاجموها بضراوة!!.. 


إن من الخطأ أن تعتقد القيادة الفلسطينية أن لها الحق في فرض الوصاية على قرارات سيادية للإمارات والبحرين وغيرها من الدول الحل من وجهة نظري هو تغيير القيادة الفلسطينية بطريقة ديمقراطية وإيجاد نموذج لقيادة شابة وهناك قيادات من فلسطين الحبيبة يقيمون في الدول العربية يستطيعون العودة إلى فلسطين ويتبوأون صدارة المشهد لأنه مع وجود الرئيس عباس وحركة حماس لن تقام الدولة الفلسطينية التي يحلم بها كل عربي.. إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في اتفاقيات السلام أو التطبيع مع إسرائيل أو أيًا كانت مسمياتها المشكلة الحقيقية في عدم جهوزية طرف فلسطيني قوي يكون نِدًا لإسرائيل يتحمل مسئولية خوض المفاوضات مهما كانت عسيرة للحصول على حقوق شعبه فطبيعة السلام هي مفاوضات وحل وسط الرئيس محمود عباس مع كامل الاحترام له 
ليس رجل مفاوضات ولا سلام ولا يملك اتخاذ اي قرار دون الرجوع لقطر وتركيا وقراره بوقف التعامل مع الإدارة الأمريكية قرار يفتقد أي عقلانية وأفسح الطريق للحكومة اليمينية المتطرفة لتتخذ إجراءات أحادية.. وحركتا حماس والجهاد تنفذان أجندة قطر وإيران..


لذا فإن ما تقوله القيادة الفلسطينية وفصائل المقاومة التابعة للمحور الإيراني التركي عن أن هذه الإتفاقيات ضربة قاصمة للقضية الفلسطينية وخيانة للقدس والأقصى وطعنة في الظهر.. إلخ، ما هو إلا شماعة يعلقون عليها فشلهم طيلة السنوات الماضية وعجزهم عن إحراز أي تقدم.. العالم سئم من الانقسام الفلسطيني ومحاولات الصلح التي دائمًا ما تنقلب عليها حماس بأوامر تركية قطرية .. السيد نبيل شعث يقول (لا خلاف بيننا وبين حماس والجهاد في مواجهة الخيانة والطعنة في الظهر) نعم هذا هو الشيء الوحيد الذي تتوافقون عليه وتختلفون في كل شيء..!!


وأقولها صراحة لقادة حماس والجهاد أن الإيرانيين والأتراك لن يقدموا لكم سوى الخزي والفشل والعودة للمربع صفر والحشر في الزاوية وإدخال إيران وتركيا في المشهد العربي خطأ كبير لأنه يعقد الأمور...
خلاصة القول أن إدارة ترامب ستعمل حثيثة لدعوة دول إضافية لإتفاقيات سلام مماثلة فكما صرح المراهق كوشنر: (من الحتمي أن تطبع كل دول الشرق الأوسط العلاقات مع إسرائيل لكني لا أعرف متى سيحصل ذلك).
وهذا يعني أن هناك تطورا جيوسياسيا مهما يحدث في الشرق الأوسط وبغض النظر عن نتيجة الإنتخابات الأمريكية فإن الدينامية العربية الإسرائيلية ضد إيران قد حدثت بالفعل وسوف تتبلور في الفترة القادمة تحت مسمى دينامية السلام.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط