في بيت يملؤه الرضا والأمل، تعيش امرأة مصرية تدعي سهير الحسيني، توفي زوجها نبيل تاركًا لها من الأبناء ثلاثة، ابتلي منهما اثنان بمرض وراثي سبب لهما عجزًا تامًا، لكنها أثبتا أن الإعاقة ليست في الجسد وأن الإرادة تحقق المستحيلات، حيث تفوق الشقيقان في دراستها رغم كل الصعوبات وما زالا يطمحان لتحقيق المزيد.
وأصيبت البنت الكبرى يارا بضمور في العضلات سبب لها عجزا جسديا وهي في الثامنة من عمرها، فيما أصيب أخوها محمد بنفس المرض وهو في السادسة من عمره، لتقع مسئولية كبرى على عاتق الأم، وتزداد مع وفاة الأب، حيث إن أولادها في مراحل التعليم ويحتاجون لرعاية معنوية ومادية.
وبلسان يحمد الله على قضائه ونعمه، تحكي والدة أصحاب الهمم لـ "صدى البلد" قصة كفاحها قائلةً: "اللى هما فيه قدر ربنا، لا نعترض عليه، زاد الحمل عليه فقط عندما توفي والدهما، وكانت يارا في الصف الثاني الإعدادي، ومحمد في الصف الخامس ابتدائي، فلم أيأس من رحمة الله، فسعيت لأجعلهما في أفضل حال اعتمادًا على معاش والدهما".
وبدأ مشوار كفاح الأم مع ابنتها الكبرى يارا عندما توفى والدها، فكانت في حيرة هل تجعلها تكمل دراستها لتترك بصمة في الحياة أم تجلسها في البيت ولا تسعى وراء تحقيق مستقبل لها، واختارت الأم بدون تردد أن تقف وراء ابنتها لتحقق أحلامها، خاصةً أنها كانت متفوقة دراسيًا في جميع مراحلها التعليمية حتى أصبحت الأولى على كلية تجارة جامعة الزقازيق بتقدير عام امتياز مع مرتبة الشرف.
وعينت يارا مع بداية السنة الدراسية الحالية معيدة في كليتها، لكن العقبة الوحيدة التي تواجهها هي عدم توافر وسيلة مواصلات تناسب حالاتها وتهون عليها طول الطريق من بلدها مينا القمح إلى جامعة الزقازيق.
وليست يارا فقط من تحتاج لهذه السيارة، حيث إن عدم توافرها يمثل عقبة أيضًا لأخيها محمد، الذي أصابه المرض الوراثي وهو في الصف الأول الابتدائي، حيث كانيسير على أطراف أصابعه وكانت حركته قليلة جدًا، فتقوم والدته بحمله على كتفها لتوصله إلى مدرسته ثم تعود لتأخذه منها.
ومع مرور الوقت تمكنت الأم من شراء كرسي متحرك لابنها، وهو جالسًا عليه المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ولظروفهم الصعبة وقتها، التحق بالثانوية الفنية بدلًا من الثانوية العامة، وأثبت تفوقه فيها وأكمل بعدها معهد فني تجاري لمدة سنتين، وبعد إنهائه بتقدير عام جيد جدًا مرتفع لم يتوقف الشاب العشريني عند هذه النقطة، لكنه قرر دخول كلية تجارة جامعة الزقازيق، وهو حاليًا في السنة الثانية بها محافظًا على تفوقه رغم كل الصعوبات.
" كل اللي بطلبه عربية ليهم كمتفوقين تسهل ليهم حياتهم وتعينهم على تحقيق أحلامهم"، هذه العقبة الوحيدة التي أكدت الأم أنها تواجه أبناءها وترهقهما ماديًا ومعنويًا.
وتصف يارا شعورها بعد أن حققت أول أحلامها بأن أصبحت معيدة، بأنه أجمل شعور أن يصل الإنسان إلى حلمه بعد معافرة "بتكون الفرحة مش سيعاه"، وكذلك من أحبوه ودعموه كأهله وأساتذته وأصدقائه، مشيرة إلى أنها ترغب أن يكون لها تأثير في المجتمع، وأن تكون مثلا يقتدي بيه الكثيرون.
وبنظرة أمل إلى المستقبل، يرغب محمد في أن يكون نموذجا مختلفا، يترك بصمة كبرى، بعد أن يكمل مراحل تعليمه بتفوق ويدخل إلى سوق العمل،كما تشكر يارا الرئيس عبد الفتاح السيسي على دعمه ذوي القدرات الخاصة، وتتمنى لقاءه وحضور المؤتمر القادم للشباب وسط النماذج المشرفة.
وتختتم يارا ومحمدبرسالة لأمهم قائلين فيها: "ربنا يخليها لينا، عمرها ما قصرت معانا في شيء، كانت دائمًا بتشجعنا إننا نكمل مسيرتنا، هي اللي واقفة في ضهرنا، وسندنا الدائم بعد ربنا".