الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما بين الفريسكا وسيدة القطار


 لم أفقد الثقة مطلقا في شهامة وجدعنة المصريين وهما من أهم صفتين تتحلى بهما الشخصية المصرية بالإضافة للمثابرة . وبرغم أنني مثل كثير غيري عشت وتعايشت مع جنسيات مختلفة  كثيرة إلا أنك للحقيقة لا تجد للشهامة والجدعنة رحيق وبريق إلا في مصر ومن سافر وعايش وتعايش يعرف معني الشهامة والجدعنة التي يتحلى بها المصريون في الخارج والداخل ..

 ولن تنضب الأرض ولن تبور عن توارث الشهامة والجدعنة المصرية على مر العصور ...  أذكر ذات يوم أن دعاني الشاعر الكبير العظيم الراحل عم أحمد فؤاد نجم لتناول الغداء معه في منزله بالمقطم حيث كنت اعد له برامجه  وكانت زوجته الأصيلة الست أم زينب قد أعدت لنا طاجن الملوخية بالأرانب التي كان يهواها جدا عم أحمد . حينها كانت تظاهرة شبابية تمر من أسفل منزله تندد بالنظام السابق  وتدعو عم أحمد للهبوط لقيادة التظاهرة احتجاجا على فساد طال أحد رجال الحكم السابق .

وهم عم أحمد بالهبوط تلبية لنداء الشباب الثائر أسفل منزله لكني طلبت منه التريث قليلا كي لا تتفاقم الأمور في الشارع . قلت له : سوف تنتهي التظاهرة بلا أثر فلن يتغير شئ حينها أمسك بيدي وصرخ في وجهي ياض  دي مصر ولادة فيها الرجالة كل يوم ف زيادة وكل يوم بيمر تلاقي نماذج الشهامة والجدعنة بتنور الطريق لأجيال جاية هاتعمر وهاتبني .. 

وتركني عم احمد فؤاد نجم علي الطبلية مع طواجن الملوخية بالأرانب و التي فضلتها لسخونتها عن المشاركة في الهتافات ..  الأن تذكرت أيضا كلمات غناها  الفنان الجميل المبدع صابر الربيعي أغنية جميلة تتحاكى بصفات المصريين وتقول كلماتها: المصري ما يتخافش عليه
عارف هو عايز إيه
وعشان خاطر أهله وبلده
الصخر بينحته بإيديه
دي مصر ولادة 
رجالة كالعادة  
وفي أي مصري الجدعنة
 موجودة وبزيادة 
أولادها وقت الشدة 
رجالة سدادة ...
 و كلمات الأغنية هي إحدى روائع الشاعر الغنائي أحمد علي موسي و لحنها المبدع محمد عبد المنعم  وتأتي النماذج التي تحاكت بها السوشيال ميديا مؤخرا خير دليل على أصالة المصريين ولكنها أصالة وشهامة تستحق الحفاظ عليها من نفسها ومن المبالغة في تكريمها و التباهي بها .. 

 إبراهيم عبد الناصر ذلك الشاب المتفوق في الثانوية العامة والذي عرف بإسم بائع الفريسكا وهو نموذج للجدعنة والشهامة المصرية . شاب شعر بمسئولية الحياة فساهم مع والده في تحمل أعبائها وعمل في نفس المهنة التي إمتهنها والده ليشارك في توفير نفقات تعليمه ولم يتحرج من عمله . كان يكتسب ماله لينفق على دراسته وبرغم أنه حمل قصة كفاح جميلة ومشرفة جعلت السوشيال ميديا تبرزه وتتهافت عليه المؤسسات لتكريمه فحصل على منح دراسية ومبالغ مالية وسيارة هدية وتبرع له رجل أعمال براتب شهري كبير يساعده على التفوق .

فتحت له السماء أبوابها ورزقه الله بالكثير ولكن أخشى ما أخشاه أن نبالغ في تكريمه وهو لا يزال شابا يمكن أن تتاثر نفسيته بما رأه حوله من تكريم فيفقد دافع الإجتهاد والإصرار على التفوق . فالإعلام يصنع الغرور القاتل دون أن يدري لكنها الشخصية المصرية التي أثق واتمني أنها لن تتأثر حتى بالمبالغات في تكريمها ولن تفقد الإصرار على التفوق . نماذج كثيرة مشرفة للشخصية المصرية مرورا بفتاة التين الشوكي وبائعة الأحذية وبائعة العصير واللاتي تفوقن على أنفسهن وتحدين الظروف الصعبة التي كادت أن تعصف بمسيرتهن في التفوق .

  نماذج ستكون في المستقبل نبراسا للتفوق ودافع لمن لديه نفس الظروف الصعبة أن يتحدى الواقع ويتخطاه لمستقبل مشرق ينتظره . لكن لابد أن نتمهل ولا نبالغ في التكريم لكي لا ينقلب الأمر علي نفس صاحبه . فنحن أنفس بشرية تتأثر بالبيئة التي تنشأ بها فلا يجب أن نرفع تلك البذور  لسماء جديدة عليهم مرة واحدة فتفقد إحداها رغبة التفوق وجدية الإجتهاد وعوامل التحدي . 

ومع ثقتي في نبت وجذور الشخصية المصرية التي تتميز بالشهامة والجدعنة وروح التحدي لكني أخشي عليها من الغرور وهي في مقتبل العمر . وستظل مصر ولادة تبرز منها النماذج المشرفة كثيرا ولعل في موقف سيدة القطار ما يؤكد ولع الشخصية المصرية بالشهامة والجدعنة ولا تقتصر الصفات علي الذكور فقط بل تفوقت فيها الإناث .. فسيدة القطار التي تم تكريمها من قيادات عليا في الدولة وأصبحت تتحاكى بموقفها كل الوسائل الإعلامية لما ابرزته من صفات نبيلة نهضت تساند جندي لاتعرفه بدافع الشهامة التي تتحلي بها ايضا المرأة المصرية .

 تلك هي مفردات الشخصية المصرية التي نبتت من حضارة الأجداد على النيل الخالد فمهلا عليهم هم يستحقون الإشادة والتكريم و الإعتراف بالجميل ولكن :  أحيانا المبالغة في ردة الفعل تكون لها أثر سلبي في مواجهه طريق التحدي  .. وهو ما لا نتمناه .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط