الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السيسي حامي مياه النيل


لو كان الرئيس عبد الفتاح السيسي،  قائدا  لمصر، منذ 10 أو 15 عاما ،  ما بنت إثيوبيا سد النهضة على نهر النيل ،  و لبادر بإقامة هذا السد العملاق على أحد أنهار إثيوبيا العشرة الأخرى التي يمتلكها الإثيوبيون  إلى جانب نهر النيل . هذا ليس هراء ، أو هذيانا، لكنه الواقع الذي  يحققه  حاليا الرئيس عبد الفتاح السيسي،  في تنزانيا ، من خلال تولي مصر بناء سد يوليوس نيريري ، على نهر "روفيجي"  و هو أحد الأنهار الكبرى التي تمتلكها تنزانيا ، إحدى دول حوض النيل  ، ليهدر  بذلك الفرصة على أي دولة معادية لمصر لاستمالة  الحكومة التنزانية لإقامة  سد جوليوس نيريري على نهر النيل الأبيض الذي يزود مصر بنحو 20 في المائة من حصتها من مياه نهر النيل . 


فبمجرد أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر،  بتكليف من الشعب المصري ، بمقتضى ثورة 30 يونيو،  بادر  بدراسة الأسباب التي مهدت الطريق لإثيوبيا للبدء  في وضع حجر  أساس سد النهضة ، والظروف التي سمحت لها  بتحويل سريان مياه  نهر النيل عن مجراها  الطبيعي  لإقامة جسم السد ، فتبين له أن إثيوبيا لم تستغل فقط  الفوضى التي أعقبت ثورة  25 يناير ، و الضعف و الوهن و الترهل التي  أصابت  مصر خلال  حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي،   ولكنها  تسلحت  أيضا باتفاقية  دول حوض النيل،  بفرعيه ، الأزرق والأبيض ، و التي احتضنتها  مدينة عنتيبي الأوغندية في 2010 خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك .


وكانت اتفاقية "عنتيبي"  التي رفضتها مصر و السودان ، قد  أعطت  الأحقية  لكل  دول منابع  حوض النيل  في إقامة أي عدد من السدود على طول مجرى النهر بفرعيه الأبيض و الأزرق قبل أن يصبحا  نهرا واحدا تحت مسمى نهر "النيل " عند  التقاء  الفرعان  في الخرطوم ، عاصمة السودان و منها إلى أراضي مصر المحروسة.  فقد أدرك الرئيس السيسي منذ الوهلة الأولى ، أن مجرد اختيار مدينة "عنتيبي" الأوغندية لجمع دول منبع حوض نهر  النيل، رغم رفض دولتي المصب السودان و مصر  ،  يعني أن الأمر يتعلق بإستراتيجية ،  و مؤامرة،  تستهدف تعطيش مصر و شعبها . و لمن لا يعلم ،  كانت "عنتيبي "  المدينة التي قتل فيها الكولونيل ، جوناثان نتنياهو ، الشقيق الأكبر لرئيس وزراء إسرائيل السابق ، بنيامين نتنياهو ، خلال الهجوم التي شنته وحدة كوماندوز إسرائيلية على مطار  مدينة عنتيبي،  لتحرير الرهائن اليهود الذين كانوا على متن طائرة شركة إير فرانس الفرنسية، بعد أن اختطفها مجموعة من الفلسطينيين،  وأجبروها على الهبوط في المطار في 4 يوليو 1976 ، خلال حكم  الرئيس الأوغندي الراحل،  عيدي أمين . 


وعندما علم الرئيس السيسي بعزم تنزانيا تنفيذ بنود اتفاقية عنتيبي  بإقامة سد عملاق لتوليد الكهرباء يحمل اسم جوليوس نيريري رئيس تنزانيا الراحل،  بادر بتكليف الحكومة بدراسة إمكانية تقدم الشركات المصرية لبناء هذا السد، على ألا يكون على نهر النيل . وبالفعل  وقع اختيار مصر على نهر "روفيجي " الذي ينبع من الأراضي التنزانية عند التقاء مياه نهري "كيلومبير"و و" لويجو"  قبل أن تتدفق مياهه لمسافة 600 كيلو متر لتصب في مياه المحيط الهندي .وسارعت مصر  بخوض المنافسة  لتفوز بمناقصة بناء سد جوليوس نيريري  التي واجهت  فيها شركات دول عملاقة،  مثل الصين ، و الهند ، و إيطاليا ، و روسيا . 


وتبلغ قيمة الصفقة نحو 3 مليارات دولار،  و تم إسناد مهمة بناء  السد  لشركة المقاولون العرب  الحكومية ، بالتعاون مع شركة السويدي للإلكترونيات ، المملوكة للقطاع الخاص  . وبفضل الخبرة التي اكتسبتها الشركات المصرية من خلال إقامة  المشروعات القومية الكبرى،  تلقت تنزانيا بارتياح  فوز مصر  بمناقصة بناء سد  جوليوس نيريري  لتحقق مصر مكسبا مزدوجا ، فمن جانب فازت بصفقة كبرى قدرها 3 مليارات دولار ، و من جانب آخر ، و هو الأهم ، حالت دون استغلال أي دولة لحاجة تنزانيا للكهرباء لتقيم السد على نهر النيل بدلا من نهر روفيجي،  لتحافظ مصر بذلك على تدفق مياه نهر النيل الأبيض دون نقصان . يذكر أن دول حوض النيل الأبيض تضم كلا من تنزانيا ، و أوغندا ، و بوروندي ، و رواندا،  و الكونغو الديمقراطية،  وإريتريا ، وجنوب السودان . 


ويبلغ ارتفاع سد جوليوس نيريري 134 مترا ، و تبلغ بحيرة تخزين المياه  الملحقة به نحو  34 مليار متر مكعب، وتنتج محطة كهرباء السد التي ستتولى مصر أيضا بناءها نحو 2155 ميجاوات من الكهرباء،  أي نفس إنتاجية السد العالي تقريبا  من الكهرباء . وتلبي هذه المحطة الكهربائية متطلبات نحو 17 مليون أسرة تنزانية من الكهرباء. كما يلعب السد دورا مهما في حماية  البيئة من تداعيات الفيضانات ، و المستنقعات ، فضلا عن توفير المياه للزراعة في موسم الجفاف . 


ويحمل سد تنزانيا  رسالة من مصر للأشقاء الأفارقة مفادها ، أن مصر ليست ضد تنمية دول حوض النيل، طالما أن هذه التنمية  لا تنزل الضرر بحصتها المائية ،  حيث  تعتمد مصر بنسبة 95 في المائة من مياهها العذبة على مياه نهر النيل  . 


ولكي نعرف أهمية تحرك مصر السريع للفوز ببناء سد تنزانيا ، تكفي الإشارة إلى أن بحيرة تخزين سد جوليوس نيريري ستحتجز  كما أشرنا نحو 35 مليار متر مكعب من المياه ، في حين أن كل حصة مصر من النيل بفرعيه الأزرق القادم من إثيوبيا و الأبيض لا يزيد عن 55 مليار متر مكعب . 


ويبقى السؤال المهم ، ماذا لو كانت مصر قد تحركت قبل شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة على نهر النيل ، وأخذت نفس المبادرة التي اتخذتها حاليا مع تنزانيا ،  ألم يكن من الممكن أن تبني مصر هذا السد على أحد الأنهار العشرة الأخرى التي تمتلكها إثيوبيا مثل نهر "شيبيلي " أو نهر "أومو " أو نهر" توركانا " أو نهر "اواش "  بدلا من بنائه على نهر النيل الأزرق خاصة أن إثيوبيا ليست بحاجة لسدود لري الأراضي الزراعية فكل احتياجاتها تكمن  في بناء السدود لتوليد الكهرباء و هي سدود لا تحتاج لتخزين كميات كبيرة من المياه ، على أساس أن إثيوبيا هي أغني دول القارة السمراء من حيث الثروات المائية لدرجة أنهم يطلقون عليها لقب " خزان مياه إفريقيا"؟. 


ومن هذا المنطلق  سأنهي حديثي  بالتساؤل الذي بدأت به مقالي،  ماذا لو كان عبد الفتاح السيسي هو حاكم مصر قبل أن تبدأ إثيوبيا في بناء سد النهضة على النيل الأزرق ،  الإجابة ستكون بدون تفكير ، كان  سيبادر بإقامة سد النهضة  على أحد الأنهار العشرة الأخرى التي تمتلكها إثيوبيا بدلا من بنائه على نهر النيل؟ . 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط