الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«سيدة القطار» تنتصر للقيم الأصيلة


انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لعسكري مصري في أحد القطارات، يستعرض هذا الفيديو حدثا أرى أنه من الضرورى الوقوف عليه تحليلا وتفسيرا، بالوقوف أمام الحدث نفسه مرة وبالتأمل في تصرفات الشخوص في هذا الحدث مرة أخرى.


المشهد: عسكري يرتدي زي الجيش المصري يجلس على مقعد في عربة إحدى القطارات التي تعكس النقلة النوعية التي تحدث في السكة الحديد، والكمسري يطلب من العسكري مبلغ اثنين وعشرين جنيها وإلا ينزل من القطار، ويتدخل رئيس الكمسري ليتحدث بلغة لا تليق سوف نتوقف عندها لاحقا.


الملاحظة الأولى التي يمكن أن أتوقف عندها هي أن العسكري يرتدي "الأڤرول المموه وهو أڤرول التدريب" الذي، على أيام خدمتنا العسكرية لم يكن مسموحا بالنزول به إجازات أو حتى مهمة خارج الوحدة أو المعسكر، ولإن كان مازال هذا هو المعمول به في قواتنا المسلحة، فهنا خطأ قد وقع من العسكري، الذي ننتقل معه للملاحظة الثانية وهو عدم دفعه للمبلغ الذي هو مقرر على الركاب، فهذا قانون وكان يجب عليه أن يلتزم به، خاصة أنه أثناء المشهد كشف عن امتلاكه لهذا المبلغ، أما إذا انتقلنا للملاحظة الثالثة، ومازلنا مع العسكري فهي تلك الثقة التي يتحدث بها، وهذه العزة التي يمتلكها، والتي تبدت لي أنه يكتسبها من ارتداء هذا الزي العزيز على قلب كل مصري والذي يضيف لمن يرتديه شرفا وعزة، هذه العزة التي تأخذ بيدنا للملاحظة الرابعة حيث ظهر بوضوح كامل إحساسه بهذه العزة، في إصرار العسكري على عدم قبول أن تدفع له السيدة الشريفة المصرية "الجدعة" الأجرة، وإصراره على رد الاثنين والعشرين جنيها التي دفعتهم السيدة للكمسري.


أما ما فعله الكمسري ورئيسه فإننا ننظر له من عدة زوايا: الأولى أن لهم الحق في تحصيل الأجرة من كل الركاب، بما يحدده القانون، دونما استثناء، وأن إصرارهما على ألا يفلت أحد الركاب من دفع الأجرة فهذا واجبهم، وهو العمل المكلفين من قبل هيئة السكة الحديد به.


تلك هي الملاحظة الأولى، أما الثانية والتي تعكس الكثير من الدلالات وتثير العديد من الأسئلة وتدعو إلى تغيير ثقافة التعامل، بل تغيير ثقافة المجتمع ككل، فهي تلك الطريقة التي تحدث بها رئيس الكمسري مع الراكب "العسكري"، فلقد نمت عن عقل عقيم، وفهم سقيم، فكان واضحا كل الوضوح استخفافه بالعسكري، لا لشيء إلا لكونه عسكريا، وذلك حينما سخر منه بأن: "حوش النجوم اللي بتقع من على كتفك، وقيه حد ضحك عليك في المعسكر" في إشارة لأنه عسكري وليس ضابطا، وأنه في درجة ينظر لها رئيس الكمسري باستهانة، وهو ما أثار الرأي العام المصري، الذي ينظر بكل تقدير واحترام لكل من هو بالمؤسسة العسكرية: بداية من أقل درجة "العسكري" إلى أعلى رتبة "القائد الأعلى للقوات المسلحة" وهو الرئيس عبد الفتاح السيسي، فالمصريون يضعون هؤلاء العساكر الذين هم أول من  يضحي بدمه وروحه فداء لمصر، في قلوبهم وفوق رؤوسهم، ولعل تلك الجنازات الشعبية الضخمة، حتى في ظل ڤيروس كورونا، التي يقيمها أبناء الشعب المصري لكل شهيد بذل دمه دفاعا عن هذا الوطن وقدم روحه لحماية هذا الشعب الذي يتبرأ من هذا المتطاول السفيه غير المدرك لعظمة عساكر الجيش المصري الشجعان الذين لولاهم ولولا تضحياتهم، ما كان لهذا المتطاول أن يأمن في بيته، ولا أن يطمئن على زوجته أو أمه أو ابنته ولا على كل أهله، هذه الجنازات الشعبية لهي خير دليل على تقدير الشعب المصري لهؤلاء الجنود الشجعان.


لقد أظهر سلوك رئيس الكمسري وجها قبيحا للمسئول الذي ينفذ القانون بشكل تعسفي من ناحية، والذي يتعامل مع الناس حسب درجاتهم ورتبهم من ناحية ثانية، والذي يتعالى على المواطن الذي هو في خدمته من ناحية ثالثة، ذلك الذي يكون سببا، هو وأمثاله، في حنق الشعب على المسؤولين، بل على الدولة والنظام جميعها.


وهذا التعامل بهذه الكيفية غير الإنسانية وغير الأخلاقية كان له رد فعل كبير من الشعب المصري، الذي تفاعل مع الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا كبيرا، ذلك الذي يؤكد أن هذا الشعب يحمل في چيناته هذه الصفات الإنسانية النبيلة، على عكس ما يحاول البعض تصديره.


ونأتي الآن لبطلة الحدث ونجمة المشهد وهي السيدة التي انبرت من بين كل ركاب القطار لتتصدى للكمسري ورئيسه بكل الشهامة والنبل، فأصرت أن يظل العسكري في القطار ورفضت رفضا قاطعا نزوله منه، في ذات الوقت الذي لم تحاول فيه استجداء الكمسري للتغاضي عن دفع الأجرة، بل أخرجت من جيبها مبلغ الاثنين والعشرين جنيها وقدمتهم له، هنا يرفض الشاب العسكري أن تدفع له السيدة النبيلة "الجدعة" هذا المبلغ ويصر أن يدفعه هو، لقد كانت الكلمات القليلة التلقائية الرقيقة الراقية التي خرجت من شفتي السيدة الأربعينية "صفية إبراهيم" والتي كانت: "اقعد يا ابني أنا عندي 3 صبيان زيك".. محاولة من السيدة المصرية الأصيلة لتهدئة الشاب الذي الذي أصر على أن يعيد لها ما دفعته.


لقد انتصرت السيدة المصرية على جميع الركاب، ليس فقط لأنها تصدت لنزول الشاب من القطار، وليس لأنها أخرجت المبلغ الزهيد، ولكن لأنها أظهرت صفات الشهامة والنبل ونجدة المحتاج، كما كان حديثها يقطر حنانا وكأنها هي الام الحقيقية لهذا الشاب.


انتصرت السيدة المصرية للقيم المصرية الأصيلة الدفينة في حنايا الغالبية الساحقة لهذا الشعب الأصيل، وانتصرت على كل المترددين في اتخاذ موقف من ركاب عربة القطار من الرجال الذين كان أولى بأحدهم أن يتصدر هذا المشهد مع هذه السيدة الرائعة.


وقبل الختام علينا أن نشيد بالسيد الفريق كامل الوزير وزير النقل، الذي خرج بعد انتشار الفيديو مباشرة معلنًا اعتذاره وتأكّيده أنَّه يكن كل الاحترام والتقدير لجموع ركاب قطارات السكة الحديد، مشددًا على أنّ ما حدث في قطار رقم 948 "المنصورة - القاهرة" بالتجاوز في حق أحد الركاب لن يمر مرور الكرام، فضلا عن تحويل "الكمسارية" المتجاوزين في حق أحد الركاب للتحقيق الفوري ووقفهما عن العمل، هذا الذي يعكس المتابعة المستمرة من الوزير كامل الوزير لكل الأحداث التي تتعاقب على الوزارة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط