الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

راحة البال في فهم آيات الهداية


تفسيرات خاطئة سرنا عليها لسنوات فى فهم آيات الهداية وبنينا عليها تصوراتنا للتعامل مع بشر أرادوا لنا جحيما وعذابا بسلوكهم، وهم لا يمنحون سواهم عواقبه.


حقيقة أردت أن أفهم الكثير من معان فى آيات شتى كنت أبالغ وأتشدد فى تفسيرها لأحمل نفسي نهاية مالا طاقة لى به، وقد قال الله لرسوله "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"، وفى قوله إشارة إلى هدوء وسكينة يدركهما الحائر فى هداية البشر وإرشادهم.


فى قوله تعالى "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء  فليكفر"، وفى قوله أيضا "إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين"، بدأت فى إدراك حقيقة أن الهداية طريق يسهله الخالق لمن يسلكه فقط، دون معاناة منا فى توجيه له أو تعجب لحرية اختياره أو إدراك بمستقر نواياه.


وفى الآية الكريمة "ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين" تأكيد لتلك الحرية المسؤولة لمدرك عما يفعل ويسلك، وفيها إثبات لحقيقة أننا مخيرون فى سلوكنا، وإن كانت أرزاقنا لا يد لنا فى تقديرها تصديقا لآيات شتى وللحديث القدسي "وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها كركض الوحوش فى البرية ولا ينالك منها إلا ما قسمته لك وكنت عندى مذموما".


ولأن طريق الهداية اتجاه واحد فالسير فيه له شروط، "وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى"، أي أن كل خطوة فيه لابد وأن تحمو آثار ما سبقها من ضعف نفس ترتب عليه ذنب أو معصية أو كبائر.


أي عظمة تلك التى تريح البال فى استعادة الشعور بآيات القرآن والفهم الهادئ الصحيح المتجدد لها، وقد شغلنا أنفسنا بظاهر ما يقال لنا عنها صغارا فكانت تفسيرات البعض لمشيئة العبد فى الهداية فى غير محلها، وبتنا لسنوات نرجو له مالا يرجوه لنفسه ثم نشغل بالنا بحسابه وعقابه.


أغلب أزماتنا ناتجة عن شغل أنفسنا بالغير وحاله وتبرير خطاياه وإضاعة الوقت فى استتابته على غير رضاه وقناعاته، وأكثر ما يؤلمنا الإصرار على صنع شيء لبشر يعرفون طريقهم حقا ويرون فيه صوابا دون تدخلات منا أو تعليقات على اختياراتهم، ولو كانت فيها إيذاء لنا وضرر.


هناك مثل شعبي يقول "ماتتعبش دماغك مع حد مكبر دماغه"، ونصيحة صديق طفولة أذكرها دوما "مش هانربي الناس"، ووصية الجد المعروفة "اللى ما رضى بتربية أبوه وأمه.. بكرة الأيام تربيه".


على هذا؛ بدأت مؤخرا فى سحب إصراري الدائم على أمنيات ودعوات لمن اختاروا طريق أذي لأنفسهم والغير، ومن يعاندون صوابا مؤصلا بدليل عقلي ونقلي لا جدال فيه أو عليه، وخفت حدة غضبي تجاه أمور كثيرة كنت أظن أنني لاعب رئيس فى معادلة تغييرها.


أذكر هذا الموقف وأنا أفقد تباعا أصدقاء وصحبة يتساقطون بفعل أزمات قلبية وجلطات دماغية وسكتات مفاجئة، جراء شغل أنفسهم باختيارات الغير ولو كان شريكا لهم فى حياة خاصة، ربما سمة مرحلة التأمل التى دخلتها مع الأربعين، الزهد والسكون والبحث عن راحة البال، وربما الاعتزال خاصة لكل ما هو مؤذ للنفس.


حتى العلاقات كافة تبدأ فى مراجعتها واستبعاد ما لا يليق وما لا ينفع وما لا يصل بك إلى نتيجة حقيقية صائبة، ولم تعد تحزن على أي شيء يفوت أو يضيع أو لا يبقى معك، وفى هدوء تبحث عما يناسبك ويسعدك ويليق بك، وهى معضلة جديدة لا يفهم كثيرون تفاصيل كل حكمة وراء كيفية التعامل معها وخوضها، وقد تبدلت أسلحة أطرافها كافة.


أجدنى سعيدا أكثر وأنا أدعو الآن لكل مخلوق حولي أن ييسر له الله أمره واختياره، ولا أجدد شقاء لنفسي بشغلها بهدايته، فقراره لا أملكه أنا وكتابه لن يقرأه غيره وهو على نفسه حسيب يومئذ.. وكفى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط