إعلام الهيصة

أذكر أننى عندما كنت طالبة فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة ان دخل علينا دكتور خليل صابات رحمه الله فى واحدة من محاضراته التى كان يحرص على ان يطلعنا فيه عن خبراته وصولاته فى بلاط الاعلام ودهاليزه ونواحيه.

أذكر أنه سألنا ذات مرة عن كيفية التعامل مع أمرين ؛ خبر يتناول شخصية شهيرة الى ابعد الحدود فى فضيحة مجلجلة ولكنه ليس موثقا والآخر عن مواطن عادى وقع فى نفس الزلل ومسجل فى محضر رسمى وله ثبوتيته ووضعه القانونى ؟ بالطبع كنا شباب ومتحمسين بل ومتهورين إن صح القول ومعظمنا رجح نشر الخبر للشخصية الشهيرة رغم عدم التأكد من صحته لضمان الانتشارية والشهرة لمن نشر الخبر وايضا التوزيع الهائل للجريدة أو المجلة حينها لان عالم السوشيال ميديا لم يكن موجودا فى تسعينات القرن الماضى.

 استمع إلينا الدكتور صابات رحمه الله وملامحه لاتتغير ليعطينا الاحساس باننا صح خافيا بداخله مايخفيه لحين المواجهة ، كان عددنا قليل مما اتاح له سماعنا كلنا فردا فرد واستوقفته واحدة فقط التى اصرت على دحض كل ماذكرناه وقالت حينها وبكل ثقة : نشر الاخبار التى لاتحمل توثيقا لمجرد كون صاحبها شهيرا لايندرج تحت الإعلام ولكنه يندرج تحت العهر الإعلامى ..

 لم تستكمل كلامها لثورتنا ضدها لتشبيه مااجمعنا عليه بأنه عهر لولا ان نهرنا صابات وطلب منها الاستمرار فى شرح وجهة نظرها واسهبت فى الشرح والتوضيح لتجعلنا نشعر بالتراجع عن تمسكنا برأينا ولكننا كنا كقوم فرعون نأبى ان نعود الى الحق ربما خوفا او استخفافا او تكبرا عن الارتضاء بالحق ..

اليوم صديقتنا تلك اصبحت شخصية إعلامية مرموقة ولكن ليس فى مصر ولكن فى بلد اوربى تمتلك فيه قناة تلفزيونية وأخرى إذاعية مشاركة مع مجموعة من رجال الأعمال هناك وكلما حدثتها لابد من ذكر هذه الواقعة بكل حذافيرها والترحم على معلمنا خليل صابات .

هذه الحادثة أو الفارقة فى حياتى العملية ذكرنى بها هوجة الإعلام بكل أدواته وقنواته على حادثة فندق الفيرمونت الشهيرة والتى أرى أن وراء نشرها ومتابعتها وتجييش الكل لها يكمن وراءه أهداف لايعلمها إلا قليل وهم المستفيدون ماديا وإعلاميا من هذه الوقائع المخزية للمجتمع كله بكل فئاته ، هذه الحادثة بكل مافيها تجعلك تصل لمرحلة القرف وربما التقىء مما وصل اليه حال الإعلام وعالم السوشيال ميديا فى المجتمعات النامية فقد أصبح فى حالة مزرية جعلت التهافت على اللحم المكشوف هو الهدف وتناست الطيب من المعروض والأفضل من نماذج المجتمع.

إعلام الهيصة يصفق ويلهث وراء مقاطع مصورة مخزية لفتيات وشباب يعربدون وينتهكون كل القيم لمجرد انهم يمتلكون المال والسلطان . إعلام الهيصة سعيد بتحقيق تريندات ونسب مشاهدة على حساب تراجع منظومة القيم والاخلاق والموروثات الاجتماعية الاصيلة.. إعلام الهيصة يسعى وراء العهر ويتناسى القيم وينتزعها من جذورها .. إعلام الهيصة لايحتاج امثال دكتورنا العظيم خليل صابات ولا معلمينا الافاضل فهو صناعة المادة والفهلوة والارقام الكبيرة من كل شىء واى شىء..

إعلام الهيصة واجهة مجتمع يعيش أسوأ مراحله ان لم يكن اكثرها انهيارا لكل ماهو اصيل وعريق ، إعلام الهيصة ان لم يجد من يوقفه ويهذبه سيأخذنا فى طوفان لن يترك فينا إلا من رحم الله ...