EN
الأزمات التي يفتعلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شرق المتوسط. أزمات غريبة عجيبة لا يمكن فهمها ولا يدرك هو تداعيات انفجارها.
أردوغان مؤمن تماما، بل عائش في وهم إمكانية إحياء الخلافة العثمانية من جديد ,أن يكون هو إمام المسلمين. هذا ليس تجني ولا مزاعم، ولكن تصريحاته هو عن البلاد التي كانوا موجودين فيها طيلة 500 عام. وهاهم يرجعون إليها وعن استمرار انتقاده لمعاهدة لوزان التي كسرت أنف الدولة العثمانية وقسمت أملاكها قبل 100 عام بالضبط على الأوربيين.
هذه الأحلام ولا أحد يعرف كيف تشكلت في عقله. رغم أن الزمن تغير، والاستعمار قد ولى ولم يعد موجودا بشكله القديم. هى ما تسيطر على عقل اردوغان. وفي سبيل استعادة التاج العثماني الغابر يخوض أردوغان حروبا لا نهاية لها.
ومنها "صداماته" في المتوسط. فهو تقريبا اشتبك مع كل الاتحاد الأوروبي. بدأت القضية بليبيا واستمرار إرسال المرتزقة وخرق حظر السلاح بكل فجاجة وانتهت في عرض البحر المتوسط.
أردوغان يشعر، وكأنه "مالك المتوسط" أو هو بالفعل يتحرك فيه كما لو كان مالكه. فيهدد بسفن التنقيب عن الغاز وينتهك المياه البحرية اليونانية ثم يفعل الشىء نفسه مع مياه قبرص. ثم يصطدم بفرنسا ويدعي نظامه أن فرنسا إحدى القوى الكبرى في العالم والعضو الدائم في مجلس الأمن ليس لها حق ولا يجب أن تكون لها كلمة في المتوسط!
لمجرد أن اعترض الرئيس الفرنسي ماكرون، على الدور الإجرامي الذي يقوم به أردوغان في ليبيا وعلى عداونيته في المتوسط مع كل من قبرص واليونان.
عن نفسي لا أعرف سر كل هذه الحماقة وهذا الغرور، الذي يدفع أردوغان لتصديق نفسه أنه بإمكانه أن يحارب الاتحاد الأوروبي منفردا؟! وإذا حاربه منفردا هل يقوى على مواجهته؟ وهل يقدر على مواجهة عقوبات أوروبية تنال من اقتصاده المتردي. وفي مقدمتها "الليرة التركية" التي تترنح منذ أكثر من عامين دون وجود مجال لانقاذها.
أليس للمستبد أردوغان، حاشية يقدر أحدها على أن يقول له أن ما يفعله خطر شديد على تركيا قبل أي احد آخر. ولا يمكن أن يصل لشىء. وسيفتح باب الصدامات والحروب قبل أية أبواب اخرى؟
لماذا تخاف حاشية اردوغان من استبداده إلى هذا الحد؟ ألا يستطيع أحد ان يقول له إن "خزعبلات" خروجه من بلده واشعال شرق المتوسط سيؤدي بتركيا لتدفع ثمنا باهظا جراء مغامراتها فيه وسيدفع بها لكارثة.
المؤكد وفق شواهد عدة أن أردوغان لا يمكنه أن يبتلع اليونان أو قبرص. وإذا كان قد رتب أمره لاختراق الاتحاد الأوروبي عبر حليفيه مالطا وإيطاليا ومحاولة التأثير في قراره، فإن هذا لن يغير في أن الأوروبيين كيان واحد، ولن يتركو بلادهم مطية لأردوغان.
إن ما يبحث عنه أردوغان في شرق المتوسط، سيصطدم حتما بالاتفاقية التي وقعتها مصر واليونان. وسيكون عليه دفع ثمن فادح لو تجرأ على انتهاك حدود وقواعد الاتفاقية.
شرق المتوسط، الذي يشعله أردوغان للتنقيب عن الغاز ولمحاولة الخروج من حصار بحري طبيعي، حيث تطبق الجزر اليونانية على تركيا بشكل مرعب، لا يمكن أن يخرج منه اردوغان بتبني "سياسة البلطجة" واعتبارها محددة لسياساته.
ألعاب أردوغان في شرق المتوسط وبتبني سياسة قائمة على "البلطجة" وفرض الرأي ستدفع بتركيا لخسارة الكثير وقد قالها داود أوغلو رئيس وزراء أردوغان السابق له، سياستك فاشلة تدفع بتركيا لمواجهة الجميع في المتوسط.
تفسير أخير، غير "سياسة البلطجة" والحلم العثماني الأغبر قد يكون وراء تحركات أردوغان المهووسة في شرق المتوسط وليبيا. وهى الرغبة العارمة في المداراة على فشله الذريع داخل تركيا وعدم قدرته على وقف انهيار الليرة، فلجأ لهذه الغزوات الحمقاء الخارجية، مرة في ليبيا ومرة في شرق المتوسط ليخلق حالة من "الشوشرة" على تردي الداخل التركي.
