الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جيشنا في القلوب .. عودة بالذاكرة لفترة التجنيد


لا يمكن أن تحظى مؤسسة في العالم بما يحظى به جيشنا في نفوس أبناء الشعب المصري عموما، ويمكنني أن أزيد لأذكر في نفوس الوطنيين العروبيين، هؤلاء الذين يدركون مكانته، ويعلمون قدره، ويعرفون أنه عمود الخيمة، الذي، لو لا قدر الله، أصابه مكروه، لعاد بالأثر الهائل على كل أقطار المنطقة العربية، التي يتكالب عليها الأعداء: إسرائيل وإيران وتركيا، الطامعون في خيرات وطننا العربي، الساعون لاحتلال أجزاء منه، لتنفيذ مشروعاتهم التوسعية.


وبين الفينة والأخرى، يحاول الكارهون لمصر والعرب - ولن يتوقفوا - تشويه صورة الجيش المصري، والهدف الذي يسعون إليه ليس في حاجة إلى عناء تفكير للوصول إليه، فالعقبة الكؤود التي تقف في طريق كل من له مأرب في المنطقة كلها، وفي داخل مصر، هي ذلك الجيش الذي يبذل من أرواح أبطاله، ويمنح من مهج جنوده، ويعطي - عن طيب خاطر - من النفوس الأبية، ويضحي بالغالي من الدماء الزكية. 


جيش مصر، جيش خير أجناد الأرض، له في نفوس أبناء الشعب ما لا لغيره من المؤسسات، وله في قلوب أبناء مصر ما لا يمكن أن يضاهيه دونه، وله في عمق أعماق الوجدان الجمعي العربي ما لا يقارن - حال عقدت المقارنة - مع سواه. 


ذلك هو ما يدفع أعداء هذه الأمة للعمل من خلال أدواتها الإعلامية بالمنطقة بتكثيف المجهود لزعزعة ثقة أبناء الشعب والأمة في هذا الجيش العظيم، والعمل بكل طاقة لتشويه تلك الصورة التي استقرت، عن إيمان، في وجدان الشعب، تلك المحاولات التي أستطيع أن أؤكد أنها هي والعدم سواء بسواء، لا لشيء، سوى لأنها صادرة عن مأجورين يؤدون عملا ليس عن إيمان، أو مغيبين يقومون بعمل عن غير وعي، ومن ثم تكون النتيجة واحدة، وهي العدم والسراب. 


غاب عن هذه الأدوات المأجورة ومن يقوم عليها، ومن يقف خلفها، شيء هام للغاية، لم يضعوه في حساباتهم، ولو تنبهوا إليه، لآثروا توفير المال والمجهود، إلا لو كانوا سفهاء، فإنهم سيستمرون في تبديد تلك الأموال، وإضاعة هذه الأوقات، الذي أعنيه هو أن شعب مصر كله قد نال شرف الخدمة العسكرية، وخبر عظمة هذا الجيش وهو منه أحد أفراده. 


فهؤلاء المأجورون لا يخاطبون شعبا لا عقل له، ولا أمة ذاكرتها هي ذاكرة الأسماك، بمجرد أن ينهي أبناؤها، فترة تجنيدهم في أعظم جيوش الأرض فإذا بهم يتأثرون بمثل هكذا صور مفبركة، أو شرائط أفلام هوليودية تم إنتاجها في ستوديوهات مشبوهة تحت الأرض، فأكثر تلك الفترات التصاقا في ذهن وعقل وقلب المواطن المصري، هي تلك الشهور أو السنوات التي قضاها جنديا - كل حسب فترة تجنيده - في صفوف قواتنا المسلحة، إنها فترة محفورة في الأعماق، منقوشة في الوجدان، محفوظة في أعلى مكان في النفس، يستدعيها، في كل لحظة، وتهفو إليها نفسه - رغم ما بها من مجهود وتعب بذلهما في سبيل الوطن - على مدار تاريخه، ومراحل عمره التالية المختلفة. 


يتباهى كل مصري بفترة تجنيده، يتذكر تلك المواقف التي حدثت بينه وبين زملائه وكله لها شوق، يصبو لذلك الحوار الذي دار مرة بينه وبين قائده، تتراءى أمام عينيه، تلك المشروعات الحربية التي شارك فيها، والمهام التي تم تكليفه بها، تتراقص في مخيلته تلك المسابقات الصباحية في طابور العرض أو اختراق الضاحية أو التدريبات اليومية. 


وفوق كل ذلك تلك المحاضرات القتالية الممزوجة بالقيم الأخلاقية لجندي محارب استحق أن يرتدي بزة العسكرية المصرية المنسوجة من الشرف، والمعجونة بالبطولة، والممزوجة بالأخلاق الرفيعة والمبنية على القيم العليا. 


لا أستطيع أن أنسى، حالي حال كل مصري التحق بجيش مصر العظيم، تلك الشهور الثلاثة عشر التي قضيتها جنديا أَشْرُفُ بارتداء "أفرول وبيادة" جيش مصر، أتذكر بكل فخر عريف كان يصغرني بسنوات، وكان أقصى ما حظي به من تعليم أن جلس أمام زميل لي في المدرسة الإعدادية قبل ما تصقله الروح الحربية، وتضبطه المنظومة العسكرية ليقوم بمهمة تدريبنا – نحن خريجي الجامعة – ملقيا الأوامر العسكرية بما يليق من حزم وقوة، وما تحمل من حرص يستنهض في النفس مزيدا من الهمة والنشاط.


وإذا كان هذا حال وعي أقل درجة في درجات العسكرية المصرية، فما بالنا بالدرجات الأعلى والرتب الأرقى، تلك التي هي نماذج في الإخلاص في العمل، والبراعة في التخطيط والدقة في التنفيذ، أذكر هنا ضابطا كان يشغل رئيس عمليات الوحدة التي كنت بها، كان ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاما، وكانت علاقتي به متينة للغاية حيث كنت مسؤول أفراد المكتب، الذي كان هو دائم التواجد به لمتابعة كل صغيرة وكبيرة للوحدة، وكيف كانت تلك العلاقة التي تجمعه بنا، التي ترتقي لتصبح علاقة الأسرة الواحدة، لقد تعلمنا من مثل هذا القائد، في المؤسسة العسكرية، الديمقراطية، في مفارقة لكل ما يقال ويثار حول الشخصيات العسكرية التي لا أعلم من أين يأتون بما يزعمون، لقد كان قائدا مستمعا  جيدا لكل ما يمكن أن يصدر عنا، نحن العساكر، كان الرائد، آنذاك، جمال محمد إسماعيل، كثير الأسئلة، عديد الملاحظات، تلتقط عينه الخطأ بمجرد نظره في أية ورقة نقدمها له، صاحب مقولة مازالت محفورة في ذهني؛ لا أعرف إن كانت خاصة به أو أنه نقلها عن غيره، حيث يقول: العين تقع على الخطأ من أول وهلة، لا أستطيع أن أنسى لذلك القائد، في إحدى ليالي مشروع حرب لنا، أنه وقف خدمة ليلا على المجموعة، التي كنت أنا أحد أفرادها، في أحد المشروعات التي كانت ضمن مخطط الوحدة، وذلك ليتسنى للجنود النوم قليلا لأخذ قسط من الراحة. 


لا يمكن أن تبرح صورة قائد الوحدة ذاكرتي بعد مشروع حرب أدته الوحدة، وفي نهايته وقفنا طابورا ليعلن ذلك القائد أن النتائج حسب لجنة التحكيم المختصة جاءت نموذجية، "على حد تعبيره الذي حفر في ذاكرتي: كما قال الكتاب"، وما كان ذلك إلا نتيجة لتخطيط واع وتدريب جاد  ومجهود كبير تم بذله، ولذلك هنأنا القائد - لنمتلئ سعادة وفخرا - ومنحنا قليلا من الراحة على أن نعاود تدريباتنا ونشاطنا بعدها بنفس الحماسة والنشاط والقيم.

 
أعيش في تلك الذكريات وأحيى بها وفيها، وأنظر أتأمل ما تحاوله بعض العقول المريضة والقلوب السقيمة، في محاولتها للنيل من الجيش المصري وأتعجب: عن أي جيش يتكلمون، وعن أي مؤسسة يرغون ويزيدون، وأتساءل: هل أدى أحدهم الخدمة العسكرية؟ وهل خبر حقا ماذا تعني العسكرية المصرية؟ أم أنهم في خيالهم المريض سيستمرون، وتبديدا للأموال والوقت سيظلون؟!

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط