الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبقرية نجيب


عندما أراد المشير عبد الحكيم عامر النيل من نجيب محفوظ  بعد ان قرأ رواية ثرثرة فوق النيل ‏واعتبرها اسقاطا شخصيا عليه، نقل تقارير الي الرئيس جمال عبدالناصر تتهم رواية محفوظ بالخلاعة والنيل من قيم المجتمع لكن إدراك ناصر لقيمة محفوظ الادبية جعله يتصدي لرغبة المشير عامر بالانتقام  منه قائلا احنا عندنا كام محفوظ.



نجيب محفوظ علامة فارقة وقيمة كبيرة في مسيرة الرواية العربية كان يؤمن ان العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بهاـ  هذا الوعي الذي  استطاع من خلاله الاديب العالمي نجيب محفوظ  أن ينقل إبداعه من المحيط الضيق إلى افاق رحبة فانطلقت شخصياته الروائية الشديدة المحلية الي العالمية  متجاوزة حدود جغرافيا المكان والزمان من خلال اعمال شديدة الثراء والتميز تنوعت بين الواقعية والرمزية والفلسفية.



وكانت الحارة المصرية هي القاسم المشترك لإنتاجه الادبي فهي ملهمة محفوظ  وبطله الرئيسي الذي استوحي منه وأضاف عليه استوعب ملامحه وتفاصيله فرسم منه صورة دقيقة بنماذج انسانية بسيطة تارة ومعقدة تارة اخري ليرصد لنا مشهدا يعج بحراك اجتماعي وتحولات سياسية واقتصادية صاحبها متغيرات ترتبت عليها فجاء ابداعه عبر اكثر من خمسين عاما مكملا لحقبة تاريخية لا يمكن فهمها فهما صحيحا بدون قراءة أدب نجيب محفوظ.

 

استوعب محفوظ ملامح وتفاصيل الحياة في مصر وبرع في اختيار الشخصيات التي اتسمت بطابع فريد من نوعه لتعبر بواقعية عن الواقع المصري فتشبع بالزمان والمكان ليعيد انتاجه في نص ادبي يتضمن مستويين الاول واقعي والاخر فلسفي نقل رواياته من مستوى الكتابة الإبداعية الي الرؤية الاعمق.  


أضاف لموهبة محفوظ العبقرية حسن استخدامه للسرد بآليات بلاغية رفيعة المستوي واختياره للالفاظ  بمفردات ثرية سلسة عبرت  عن كل طبقة من الطبقات الاجتماعية وكان السهل الممتنع الرفيع في ذات اللحظة فأخرج اللغة العربية من فضائها الهلامي وعليائها  اللغوي الكلاسيكي  ونزع عنها قدسيتها وشحنها بهواء جديد ممزوج بملح الارض. 


فتطورت اللغة العربية كثيرًا وأصبحت الأجيال الروائية التي تلت جيل محفوظ مدينة له  فقد رسم الطريق لتأسيس لغة طيعة دقيقة شديدة الالتصاق بالواقع في تحولاته الدائمة. لغة قادرة على أن تقول حقيقتنا هنا والآن.


تميز آخر تفرد به السرد الروائي عند محفوظ وهو براعته في استحضار الصورة الذهنية للمكان بتفاصيله الجغرافية وعبقه الزماني فجعل للمكان صورة وللزمن رائحة يشعر بها قارئه ويستحضرها وهو يتنقل بين سطور رواياته التي قدمت لنا وصفا دقيقا فتعانق المكان الجغرافي بالمكان الإبداعي في اعماله التي جعلت للمكان دورا كبيرا في مسارات أدب نجيب محفوظ.


نجيب محفوظ منارة تنويرية وهرم ابداعي يضاف لأهرامات مصر الخالدة..  غاب الجسد لكن يظل ايقونة ادبية   حاضرة بقوة في الوجدان المصري والعربي وكواحد من الرموز الرفيعة للأدب العالمي.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط