قانون تنظيم دارالإفتاءالمصرية المقدم من اللجنة الدينية بمجلس النواب لمناقشته وإقراره، وعبررحلته الحافلة بالمواقف والسجال النقاشي،وتعدد مشاهدالشد والجذب والخلاف بين مؤسسة الأزهر الشريف ومقدم المشروع، ومفتى الجمهورية، ونواب الشعب،وحتى مسيرة سحبه منالتصويت في المجلس، بعد ثبوت مخالفته للدستور وتعارضهمع اختصاصات الأزهر الدستورية والقانونية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا فىدولة مؤسسات، تحترم فيها مؤسساتها العريقة، وتصون فيها قوانينها ودستورها، ولاتجور على أى منها انصياعا لتأييد زائف على حساب حق تاريخى أصيل.
مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء المصرية كان يهدف لإعادة هيكلة دار الإفتاءونقل تبعيتها إلى الحكومة بدلا من الأزهر و"هيئة كبار العلماء"، حسبالوضع الحالي، تحت دعوى أن الأصل في دارالإفتاء وقت إنشائها أنها هيئة مستقلة، لكن البعض خلط بين مؤسستَي الأزهر ودارالإفتاء، بسبب أن المفتي هو عالم من علماء الأزهر الشريف، رغم أن دار الإفتاء مستقلة تماما عن الأزهر منذ إنشائها، والقانون الجديد يقوم فقط بتنظيم الأمور بشكل قانوني ويساعد دار الإفتاء على المضي قدما في تنفيذ مهامها.
ومنذ طرح القانون، كانت اعتراضات الأزهر متكررة، لدرجة بلوغ هيئة كبارالعلماء في يوليو الماضى إصدار بيانات تفصيلية، أرسلتها بخطاب موجه للدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب، يتضمن رأيها هيئة في هذا المشروع المعروض على مجلس النواب، مؤكدة أن مواد هذا المشروع تخالف الدستور المصري، وتمس باستقلالية الأزهروالهيئات التابعة له، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء وجامعة الأزهر ومجمع البحوثالإسلامية.
كانت أبرز الاعتراضات التى جاءت من هيئة كبار العلماء أن الدستور المصري نصعلى أن الأزهر الشريف هو المرجع الأساس في كل الأمور الشرعية التي في صدارتهاالإفتاء، وأن إسناد تلك الأمور لهيئة تابعة لوزارة العدل، ولا تتبع الأزهر - أمرينطوي على مخالفةٍ دستورية، ومساسٍ باستقلال الأزهر، وجعل رسالته مَشَاعًا لجهاتأخرى لا تتبعه، وأن أي هيئة دينية إسلامية يتم إنشاؤها، وتعمل علىتحقيق رسالته، تُعد بالضرورة جزءا لا يتجزأ من رسالة الأزهر، ويراجع أعمالها ويشرف عليها، والقول بغير ذلك يُشكل مخالفة صريحة لنص الدستور.
جنبا إلى أن مشروع القانون يمثل عُدوانًا على اختصاص هيئة كبار العلماءبالأزهر واستقلالها، وهي التي تختص وحدها بترشيح مفتي الجمهورية، وجاء المشروع مُلغيًا للائحة هيئة كبار العلماء التي تكفَّلت بإجراءات ترشيح ثلاثة بواسطة أعضاء هيئة كبار العلماء، والاقتراع وانتخاب أحدهم لشغل المنصب، وأن بعض مواد المشروع شكلت تغوُّلا على جامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، وهذا يخلُّ إخلالا جسيما بالدستور، كما يخل بالاستقلالية والحياد الذي ينبغي أن يتمتع بهما منصب مفتي الجمهورية، وترتيبًا على ذلك رأت هيئة كبار العلماء بالأزهر عدم الموافقة على مشروع القانون المعروض بصورته الراهنة.
الصورة الرائعة التى أشيد بها وجدير بى تسجيلها فى هذا الخلاف الدستورى، هو ما تمثل فى رأى وإعلانالأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء -رغم اشتعال وطيس الخلاف-عناستيائه البالغ من استغلال البعض لهذا الخلاف، ومحاولة إظهاره كصدام بين مؤسساتالدولة، مؤكدا أن اختلاف الرأي بين الأزهر ومجلس النواب حول مشروع قانون دارالإفتاء يأتي تحت مظلة الوطن ولا مجال للمتربصين بمصر.
وأن إبداء الرأي في المشروع وحرص مجلس النواب على الاستماع لرأي الأزهر، إنما يعبر عن نضج الحوار الداخلي بين المؤسسات المصرية الوطنية الكبرى، ولا يمكن بأي حال تصوير الخلاف في الرأي على أنه صراع بين المؤسسات كما تصوره بعض النوافذ المغرضة التي تحمل أجندات ضد الوطن ومؤسساته، لإشعال الصراع وتصدير صورة سلبية عن الأوضاع الداخلية المصرية، وأن التباين في الآراء حول مشروع دار الإفتاء إنما يأتي في إطار المصالح العليا للوطن، مستنكرا الزج بمؤسسة الرئاسة في هذا الأمر وكأن رئاسة الجمهورية -التي تبذل كل الجهد لرعايةكافة مؤسسات الدولة بما فيها الأزهر - في صراع مع المؤسسة الأزهرية التي طالماحظيت بدعم الرئيس السيسي واهتمامه وتقديره الكامل للأزهر وشيخه في كل وقت، كما دعا الأزهر المصريينجميعا للاصطفاف الكامل خلف الوطن وقيادته وقواته المسلحة في مواجهة التحدياتالكبرى التي تواجهها مصرنا العزيزة، مؤكدا ثقته وشيخه الإمام الأكبر وعلمائه فيتقدير الرئيس لمؤسسة الأزهر وحرصه على قيامه بدوره ورسالته العالمية.
كما أشيد بموقف إمامنا الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر-وهذا عهدنا به دوما- فى تحمل مسئوليته كاملة، وطلبه الذهاب لمجلس النواب والاجتماع بأعضائه ورئيسه، لشرح مخالفة هذاالقانون للدستور، وإيضاحا لمكانة الأزهر الشريف لمن لا يعلم مكانته، ومسئوليته، وقدره.
وهكذا.. ستظل مصر وستبقى دائما -بفضل عين الله وحفظه لها- دولة تحترم دستورها،وتعلي سيادة قوانينها، مقدرة مؤسساتها الوطنية العريقة، وأضم صوتى لصوت إمامناالأكبر فى أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ستبقى حريصة دائما على الحفاظ على مؤسسة الأزهر، وعلى تقديم كل الدعم والمساندة له لأداء رسالته في نشر الوسطية والتسامح، بصفته أهم مصادر قوى مصر الناعمة، ومظلة لكل المصريين،ذو رسالة عالمية يخدم الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، وعنصرا فاعلا فيمواجهة التطرف والإرهاب الذي تخوض الدولة حربا شرسة في مواجهته.. وحفظ الله مصرناالحبيبة .. وشعبها ومؤسساتها الوطنية.