الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ابن الدايرة


لم يكن غريبا لدى بعض المراقبين عزوف كثير من المواطنين عن الخروج والمشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة . حتى بلغت نسبة الحضور حوالى 14.23 %  من إجمالي من يحق لهم التصويت  وعددهم حوالي 62 مليون مواطن بنسبة حضور تقترب من ربع عدد المقيدين . ولم تدهشني نتائج اللجنة العليا للانتخابات التي أعلنها المستشار لاشين إبراهيم نائب رئيس محكمة النقض ورئيس اللجنة العليا للإنتخابات عن عدد الحضور وكنت أتوقع أن تكون نسبة الحضور أقل نظرا لأسباب كثيرة منها فقدان الثقة بين الناخب والمرشح والذي يهبط أحيانا من دائرة أخرى مستغلا اتصالاته العليا بالترشح عبر القائمة قاصيا أبناء الدائرة الأصلية بالإضافة لانتقاء بعض العناصر التي لا يعرفها أحد وليس لها تاريخ سياسي أو نشاط اجتماعي بين أبناء الدائرة، فقط حين يقترب موعد انتخابات جديدة تجد أن هناك بعض الأسماء تنشط في حضور المأتم وتقديم واجب العزاء والمشاركة في المناسبات المختلفة و افتعال مناسبات هزلية لإقامة حفلات تكريم تصدع رؤوسنا وتبتئس عيوننا من صورهم التي تصلنا مجبرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي رغما عنا بابتسامة باهتة رغبة منهم في الظهور . 
هؤلاء لم يتعلموا من نهج الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يشعر الجميع أنه يعيش بينهم يعلم كل شيء عن أي شيء، تشعر أن الرئيس بجانبك دوما . في بيتك وفي عملك وهو شعور لا يمكن أن يصنعه سوى من يعيش بين الناس ويقترب منهم .  أما هؤلاء من أصحاب المصالح الشخصية  فقد ابتعدوا عن مصالح المواطن واحتفظوا فقط بأناقتهم وببعض المنتفعين في دوائرهم الذين يصدرون للمواطن نغمة أنهم الأقدر  والأجدر برعاية مصالحهم، ولا يتمتعون بفكر ولا ثقافة الحوار الذي يقنع الناخب .
المرشح الجماهيري الذي يعيش بين أبناء الدائرة  ندر  وجوده . المرشح الذي يسعي لخدمة أبناء الدائرة بعيدا عن المصالح الشخصية ندر وجوده . الآن يهبط على الدائرة بعض المنتفعين يحاولون إرضاء المقربين بمصالح شخصية والحصول على استثناءات لهم  تضر ولا تنفع مقابل الحصول على الصوت الانتخابي . أزمة ثقة إذًا تلك التي اقتنع بها البعض وبات السؤال الذي يتردد عقب كل انتخابات هو: ماذا بعد أن يفوز ابن الدايرة ؟.
سينسانا سيادة النائب ابن الدايرة . سينسانا سيادته ولن يأتي إلا لزيارة أكابر القرية أو الحي أو المدينة . لم يتعلم هؤلاء من كل مرحلة انتخابية . لم يتعلم هؤلاء أن عزوف بعض الناخبين عن المشاركة في أي استحقاق دستوري هو عزوف عنهم شخصيا لعدم قناعتهم ببعض المرشحين أصحاب الياقات البيضاء والأحذية البراقة . لم يتعلم هؤلاء أن عزوف الناخب عن المشاركة ليس اعتراضا على الاستحقاق الدستوري بقدر ما هو رفض لوجود البعض أصلا في الاستحقاق نفسه. ويتساءل المواطن من هو ابن الدايرة الذي هبط علينا فجأة يتودد إلينا رغبة في الحصول على بطاقات أصواتنا ؟ .
المرشح المحتمل لابد أن يبحث عن مشاكل المواطن الحقيقية في محيط الدائرة ويسعي لتفعيل دور المجتمع المدني في تجاوز الأزمات والحد منها والمشاركة في صياغة إيجاد الحلول الدولة بمشاركة المجتمع المدني تستطيع أن تتجاوز أي أخطار ولكن تبقي روح واستعداد المساندة الحقيقية وتفعيلها. فعندما يتبني المرشح المحتمل القضايا العامة لأبناء دائرته وليست الشخصية ويسعي إلى حلها حينها سيكون في قلب كل أبناء الدائرة ولا يجب ايضا إغفال القضايا الخاصة التي يتعرض فيها المواطن لتعنت أو ظلم حينها سيكون فوق الرؤوس عند أبناء الدائرة.
وإذا اكتشف المواطن أن المرشح يخدعه لن يتردد في فعل أي شيء تجاهه . أتذكر ذلك الحادث الذي وقع في إحدى قرى محافظة بالوجه البحري حين هبط عليهم أحد هؤلاء المنتفعين من المرشحين  وكان قد نال أصوات القرية كلها بعد وعود براقة لهم ولم يحدث منها شيء فاستغل أبناء القرية مروره من طريقها وأوقفوه عنوة وحدثت بينهم مشادة ومواجهته بوعوده الكاذبة لقريتهم واحتدم النقاش بينهم وقام بعض الشباب بجذبه من سيارته وإلقائه في ترعة القرية . 
مهما اختلفنا في تفسير التصرف والذي لا يجب أن يكون قاعدة أو منهجا إلا أننا يجب أيضا ألا نغفل وعي المواطن البسيط وعدم التلاعب بأفكاره ومشاعره وخداعه . ويظل مفهوم الرشوة الانتخابية سائدا بين البعض وأذكر أن أحد المرشحين كان في زيارة ودعاية له بإحدي القرى واقترب منه رجل بسيط كبير بالسن فأخرج المرشح مائة جنيه متباهيا بها ليعطيها للرجل البسيط قائلا له : لا تنسانا بصوتك ياعم الحاج . نظر العجوز إلى المرشح قائلا له : أنا عايز حمار يا سعادة البيه . سارع بعض المنتفعين المصاحبين للمرشح يحاولون ارضاءه بالمائة جنيه والتغاضي عن طلبه وإنقاذ المرشح من المواجهة . وبابتسامة باهتة قال المرشح للرجل العجوز : ياحاج الحمار غالي دلوقتي خد الفلوس وراضي نفسك بها . 
اعتدل العجوز في وقفته وانتظر حتى هدأت الأصوات حوله وقال للمرشح : يا سعادة البيه لما المائه جنيه ما تشتريش حمار عايز تشتريني بيها ليه . جانب آخر من عزوف البعض عن المشاركة يتعلق بسخافة وهزلية الدعاية التي قام بها البعض حين يتم تسيير مكبرات الصوت تحذر المواطن من أن عدم الخروج للإدلاء بصوته يعرضه للحرمان من التموين ونقاط الخبز . أي هبل وهزل وسخافة قام بها هؤلاء من تهديد للمواطن بطريقة هزلية. تصرف جاء بردة فعل معاكسة تماما لما ينبغي فعله وامتنع البعض عمدا عن المشاركة انتظارا لتنفيذ التهديد ..
يا سادة الانتخابات ..
أعيدوا صياغة التعامل بصدق مرة أخرى بين الناخب والمرشح . أعيدوا صياغة كيفية جذب الناخب للمشاركة الفعلية بجدية . لابد من إقامة ورش عمل جادة يشارك فيها الجميع لإيجاد الحلول لكيفية إعادة الناخب للمشاركة في الاستحقاقات الدستورية و معالجة نقاط الضعف وبناء جدار من الثقة مرة أخرى بين الناخب وابن الدايرة .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط