لا يمكن تجاهل التطورات الحيوية الأخيرة على الساحة الليبية. فليبيا هى محور التحركات الدولية والإقليمية والعالمية طوال الأسابيع الأخيرة. ليس فقط بسبب دور تركي سافر قلبها رأسا على عقب وتدخل قطري متزايد، نكأ جروحا صعبة لم يشفى الليبيين منها حتى الآن.
ولكن لأن هناك الكثير من الاعتبارات والمؤشرات التي ظهرت في المشهد الليبي وتكاد تحكم المستقبل.
أولها.. أن 9 سنوات مريرة من الصراع في ليبيا، تقلبت فيها البلاد بين تيارات إسلامية وإخوانية ومدنية وتنظيمات شتى. لم تستطع أن تضع نهاية للصراع المرير ولا لتداعياته الفادحة على الشعب الليبي.
9 سنوات مرت على نكبة 17 فبراير ،2011 ولا نقول ثورة أو مثل هذه الخزعبلات التي يرددها أصحاب الأجندات. خلعت نظام القذافي القوي المستقر، وجاءت بأجندات مدمرة على طرابلس.
لا يمكن ان يرفع أي أحد من الذين قادوا خراب فبراير، أعينهم في وجه الشعب الليبي أو يقول أحدهم له أو يدعي أن فبراير 2011 كانت تحركا نحو الديمقراطية أو الحرية أو التخلص من جحيم القذافي، وفق الآلة الإعلامية الجهنمية التي قادتها قناة الجزيرة وقت "الهياج والفوضى والمؤامرة" على القذافي.
للاسف ما جاء، وهو أمام أعين ملايين الليبيين قبل غيرهم بعد 2011 ظلامية وتطرف وميليشيات وتدني في كافة الخدمات المقدمة لليبيين وظلام وإفقار.
فبراير 2017 ، باختصار كان "لعنة على ليبيا" لا تزال تتردى فيها حتى اللحظة ويدفع ثمنها الليبيون.
المثير أنه بالرغم من حلف الناتو، الذي قاد المؤامرة الفرنسية القطرية على نظام القذافي، أعلن منذ سنوات أن تدخله كان خطأ جسيما في ليبيا وهذا منشور ومعلن، كما أن مجلس العموم البريطاني أعلن عبر لجنة مستقلة داخله، حققت في أسباب التدخل البريطاني في ليبيا لخلع القذافي، أنه لم يثبت أي من الادعاءات التي بنى عليها حلف الناتو مبررات حملته العسكرية للتدخل في ليبيا والإطاحة بالقذافي ولم يثبت أنه كان يضرب المدنيين بالصواريخ أو يبيدهم بالطائرات، أو غيرها من السعار الإعلامي الذي صاحب حملة الناتو على ليبيا.
بالرغم من أن هذه الاعترافات ظهرت قبل سنوات إلا أن الليبيين لم يستطيعوا أن يعودوا إلى الصواب. ويروا أن ما حدث لبلدهم لم يكن أكثر من مؤامرة خبيثة للإيقاع ليبيا والقذافي هكذا دون مواربة أو ميوعة أو تضليل.
وأقصد بالليبيين هنا، أصحاب الأجندات السياسية، القابضين على السلطة في الشرق والغرب والحكومات الأجنبية المتعاملة معهم.
9 سنوات لم تكن أكثر من تدمير ممنهج لليبيا ومقدراتها، وإن كان لأحد عين يرى بها غير ذلك، حتى لايردد أبواق الإرهابيين والإخوان والسفلة والميليشيات في ليبيا أن من يرددون ذلك، هم من أتباع النظام الليبي السابق. فليقل لليبيين أيهم، أي شىء طيب حدث في ليبيا طوال 9 سنوات سوداء مرت بالإخوة الليبيين؟
هذه الظلامية، التي لا تزال تمر بليبيا، هى ما دفعت كل ذئاب الاستعمار السابق، للتكالب على "الحمل الليبي" فليبيا هى أرض الكنوز والثروات وكعكة النفط والغاز، ومساحتها الشاسعة وموقعها الاستراتيجي الفريد يُغري الذئاب لا شك في ذلك، وبسبب ذلك احتدم الصراع بين قوى أوروبا وبين أنقرة. فماكرون يرى أن أردوغان سرق الوجود الفرنسي الذي كان سباقا الى الفوضى والتخريب وقت ساركوزي وقد فضحت ذلك هيلاري كلينتون وفضحت دور برنارد ليفي المفكر اليهودي المعروف، الذي حرض ساركوزي على ليبيا وهناك تفاصيل سافرة عن أموال دفعت للمجلس الانتقالي وأدوار رسمت لأعضائه في أعقاب فبراير 2011 وكلها منشورة ومعلنة. وكلينتون كانت جزء من الفضوى لكن تم تسريب أوراق الفضيحة.
وأردوغان على الجهة الأخرى، يرى أن العثمانيين هم الأحق بليبيا وهى أرض أجداده وفق خزعبلات تختمر في رأسه. وإيطاليا وانجليترا والمانيا يراقبون مناوشات في المتوسط، وعراك بين ذئاب وهم أيضا لهم أجنداتهم وتواجدهم في ليبيا. لكنهم ينتظرون نهاية معركة الذئب الفرنسي والتركي داخل ليبيا.
أما الإمبراطور الأمريكي فحقه دائما محفوظ . ولا تنكر واشنطن أنها كانت سباقة للفوضى والصدام في ليبيا ومع القذافي طوال سنوات حكمه والغارات الأمريكية في ثمانينيات القرن الماضي أبلغ دليل على ما كان بين القذافي الأب وبين واشنطن.
لكن طبعا حق الامبراطور الأمريكي ليس موضوع خلاف أو عراك. فهو يعلم تماما وقتما يريد يصل الى نصيب الأسد.
وخلال الساعات الأخيرة ومع تواصل حشود الحرب نحو سرت.
هبت نسائم جديدة على ليبيا ممثلة في حراك شعبي ليبي، يدعى "رشحناك" كان له زخم خلال الأيام الماضية. يراهن أنصاره على أن سيف الاسلام القذافي هو الأمل لليبيين. وان الاحتشاد وراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة في ليبيا وترشحه من جديد. كما تقول بيانات "الحراك" قد يضع ليبيا من جديد على طريق الدولة.
ودون استباق للأحداث، فإن خروج العديد من المسيرات المؤيدة لسيف الإسلام القذافي، تؤكد في بداياتها أوتباشيرها كما يقولون رغبة الليبيين في واقع مختلف تماما عن السواد والظلامية التي يعيش فيها الشعب. ومع رهان جديد على نجل القذافي فسيكون هناك ما هو مثير في ليبيا طوال الفترة القادمة.
ورأيي أن الاستجابة السريعة، من جانب مجلس النواب والمجلس الرئاسى، والترتيب بينهما لوقف اطلاق النار خلال الساعات الأخيرة. وترحيب مصر والأمم المتحدة والعديد من القوى الدولية بذلك قد يضع ضوء في نهاية النفق.
ولا يصح لي أو لغيري أن يقول لليبيين ماذا يختاروا أو على من يراهنون؟ ولكني أرى بصدق ان المعادلة تتغير في ليبيا وكل الأكاذيب والخدع التي سيقت وقت سقوط نظام القذافي قد سقطت والتجربة خير برهان والواقع الليبي خير دليل.
ويبقى السؤال؟ ماذا يستطيع سيف الإسلام القذافي إذا تخلص من قيود كثيرة عليه؟ أو بالأحرى ماذا يمكن لملايين الليبيين أن يفعلوا تجاه وطنهم؟ هذا ما سنراه الفترة القادمة بعدما تم الإعلان عن وقف إطلاق النار وتحديد مارس 2021 المقبل كموعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا.