قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الصحابة وجدوا من صنوف العذاب ألوانا على يد مشركي قريش، إذ وثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، ليفتنوهم عن دينهم.
وأوضح « جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يحثهم على الصبر وقوة التحمل إلى أن يجعل الله لهم مخرجًا.
وأشار عضو هيئة كبار العلماء إلى قول خباب: أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة، وهو في ظل الكعبة, وقد لقينا من المشركين شدة فقلت: ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه, ويوضع المنشار على مفرق رأسه, فيشق باثنين, ما يصرفه ذلك عن دينه, وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله»، (رواه البخاري).
ونبه المفتي السابق أنه لما سمع المسلمون ذلك تقووا وازدادوا في الثبات على العقيدة والصبر على البلاء، فهذا سيدنا بلال بن رباح, يوضع الحجر العظيم على صدره,، ويقال له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك البلاء: «أحد أحد». فمر به أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوما فاشتراه وأعتقه. (السيرة النبوية لابن هشام).
وأضاف أنه في ظل هذه الظروف القاسية قد يضعف بعضهم ويتراجع عن عقيدته جراء التعذيب الشديد, وهناك صنف آخر أضمر الإيمان وأظهر الكفر هربًا من التعذيب والتنكيل مثل سيدنا عمار بن ياسر -رضي الله عنه-; إذ أخذه المشركون فلم يتركوه حتى سب النبي – صلى الله عليه وسلم- وذكر آلهتهم بخير, ثم تركوه.
وأردف: " فلما أتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: «ما وراءك؟» قال: شر يا رسول الله, ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. قال: «كيف تجد قلبك؟» قال: مطمئنا بالإيمان. قال: «إن عادوا فعد» (المستدرك على الصحيحين), وفي شأنه نزل قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا) [النحل:106].
وأكمل أنه ولم يقف التعذيب عند الرجال، بل تعدى ذلك إلى النساء، فعذب المشركون أم عمار السيدة سمية حتى استشهدت, فكانت أول شهيدة في الإسلام, واستشهد كذلك زوجها ياسر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يمر عليهم فيأمرهم بالصبر ويبشرهم بالجنة، قائلًا: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة».
اقرأ أيضًا: أول العام الهجري الجديد.. على جمعة يوصي بـ 5 أمور
كما أشار الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إلى أنه في نهاية السنة الثانية عشر للبعثة النبوية المباركة، وفور بيعة العقبة الثانية، التي دعا فيها المسلمون من أهل يثرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وبقية المسلمين في مكة إلى الهجرة إليهم، وبعد أن تهيأت الظروف للهجرة وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- المسلمين إلى الهجرة للمدينة.
وأفاد « جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع « فيسبوك» أن النبي – صلى الله عليه وسلم- تبعهم بعد ذلك مع صاحبه أبي بكر الصديق، وأول مكان وصل إليه النبي – عليه الصلاة والسلام- هو قباء، فأقام فيها بضعة أيام وأسس مسجدها، ثم انتقل إلى المدينة ونزل في دار أبي أيوب الأنصاري، ثم أنشأ المسجد النبوي، وبنيت له غرفة ملاصقة في الجهة الشرقية الجنوبية من المسجد.
وتابع عضو هيئة كبار العلماء أنه سكن فيها مع زوجته سودة وبناته، ثم بنيت غرفة أخرى عندما تزوج عائشة - رضي الله عنها- ووصل إلى المدينة كل من استطاع الخروج من مكة من المسلمين، ولم يبق في مكة من المسلمين غير المستضعفين والذين يكتمون إسلامهم.
وأوضح أنه بدأت التغييرات الكبيرة في المدينة المنورة، فألغي اسم يثرب وصار طيبة، وطابة، والدار، ونشأ تجمع بشري جديد تآخى فيه المهاجرون والأنصار، وانتهت العداوة بين الأوس والخزرج، فأصبحوا أخوة في الإسلام وأسلم عدد قليل جدًا من اليهود وتقوقع الباقون في أحيائهم يكيدون للإسلام والمسلمين.
وأكمل: "فأصبحت المدينة متبوأ الإيمان، وحصينة الإسلام والمسلمين، حيث نقلها المصطفى - صلى الله عليه وسلم- نقلة تاريخية عالمية دينية، فأصبحت بدخوله حرمًا كحرم مكة، وأصبحت عاصمة الدولة الإسلامية الأولى، وتكونت الإمبراطورية الإسلامية والحضارة الإسلامية انطلاقًا منها، وأصبحت معظم طرق التجارة تحت سيطرتها وإدارة حكامها، وزاد المدينة تشريفًا بعد ذلك لاحتوائها على المسجد النبوي ثاني الحرمين الشريفين".
وأردف: " وذلك بما شهدته من أحداث ذات صلة وثيقة بانتصار الدعوة، وتكونت أول مدرسة ثقافية حضارية في الإسلام منطلقة من المسجد النبوي وما حوله، معتمدة على التوثيق والحياد العلمي والرحمة والحقائق، مما هيأ لتلك المدرسة أن تؤدي دورًا ثقافيًا عميق الأثر، وبالتالي شكلت النموذج الأمثل للعاصمة الثقافية".
شاهد المزيد: دروس من الهجرة النبوية.. علي جمعة يكشف كيف زرعت الحب والإيثار بين صحابة رسول الله؟