أثار الانفجار الذي حدث بميناء بيروت غضبا شعبيا وأعاد مطالب التغيير والديمقراطية التي بدأت بنهاية العام الماضي، ونجحت في إزاحة حكومة سعد الحريري وتشكيل حكومة حسان دياب التي وفرت لها جائحة فيروس كورونا فترة استراحة من المطالبات الشعبية، إلا أن انفجار الميناء أعاد إلى صدارة المشهد السياسي الزخم الشعبي مرة أخرى الذي أجبر حكومة حسان دياب على الاستقالة نتيجة الوضع الداخلي المأزوم.
الانفجار الكبير الذي حدث بلبنان تجاوز اشتعال ميناء بيروت وآلاف الضحايا بين قتلى وجرحى وتصدع وانهيار الأبنية ليصيب المؤسسات اللبنانية بعد أن أصبح الأفق مغلقا تماما أمامها وأصبح لبنان يعيش أزمة كبيرة.
فالوضع داخليا ينذر بكارثة خطيرة، حيث تشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود وأدى انخفاض الليرة اللبنانية إلى حالة من الركود الاقتصادي ألقى بظلاله الكئيبة على أوضاع اللبنانيين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.
خارجيا، أدى السخط الشعبي إلى حالة من الضغط الدولي والإقليمي بأجندات لتصفية الحسابات سواء السياسية أو الأمنية لنقل لبنان من مرحلة السيطرة الحالية لإيران لمرحلة التهميش عن طريق تقليم أظافر ذراعها السياسية والعسكري والأيدلوجي حزب الله، اللاعب الأقوى والأبرز في البلاد الذي شكل تفكيك سلاحه عنوانا خلافيا بين القوى السياسية ومطلبا أساسيا لواشنطن التي تصنفه كمنظمة إرهابية.
الذي يواجه في نفس الوقت استحقاقا مصيريا بتفاقم الغضب الشعبي وبترقبه حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في حق أربعة متهمين من أنصاره في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري والكارثة الكبرى التي يخشاها اللبنانيون أن يتم ربط مصير لبنان بمصير حزب الله، وهو ما سيجعل من لبنان رهينة الصراع لأمد طويل.
المشهد اللبناني غامض ومسارات مفتوحة علي جميع الاحتمالات، فهل يستطيع الحراك اللبناني أن يكون كلمة السر لحلحلة الأزمة ويأتي بمنظومة حاكمة جديدة قادرة على إحداث تغيرات سياسية جذرية تسمح بالتدرج من الطائفية إلى دولة المواطنة بعيدا عن المحاصصة السياسية في ظل ظروف بالغة الصعوبة وارتهان أطراف لبنانية لقوى خارجية دولية وإقليمية متعارضة يمكن أن تستخدم المواطن كوقود للحرب الأهلية.
وهل يستطيع رجل الشارع أن يحتمل ضربية الإصلاح؟ فلا توجد حكومة في لبنان تستطيع منع الانهيار الاقتصادي الذي يزداد سوءا لأن هيكل الاقتصاد اللبناني اعتمد على الديون طيلة عقود طويلة، وإن سارع عدد كبير من دول العالم ومنها مصر التي كانت من أوائل الدول التي قامت بتقديم المساعدات الإنسانية والعينية، والتي جاءت لتلبية الاحتياجات الملحة والضرورية للمواطنين، لكن هل تكفي مساعدات المانحين لتضميد جراح اللبنانين.
أو يأتي الحل وفق رؤية الدول الكبرى المهتمة بالشأن اللبناني مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، فتحرك الرئيس الفرنسي ماكرون وزيارته إلى لبنان لم يكن ليتم دون تنسيق أمريكي أوروبي، وروسيا ليست بالبعيدة عن الساحة اللبنانية، فهي قريبة جدا بحكم الجوار السوري، وهناك ما يقرب من الـ5 آلاف متطوع روسي للمساهمة في أعمال الإغاثة.
إما نذهب إلى الاحتمال الثالث، وهو التصعيد سياسيا وعسكريا بين إسرائيل اللاعب الإقليمي المدعوم من الولايات المتحدة وحزب الله والمحور الإيراني وحلفائه في المنطقة، وإن كنت أستبعد هذا الاحتمال، فالمجتمع الدولي لا يريد أن يغرق لبنان في فوضى.
وماذا تفعل تركيا التي تبحث عن دور بزيارة نائب الرئيس في اليوم التالي لزيارة ماكرون في محاولة منها لإيجاد موضع قدم تامري واستعماري لها في لبنان لمناكفة فرنسا التي تعتبر لبنان منطقة نفوذ فهل يتحول لبنان إلى ساحة جديدة للصراع والتنافس بين تركيا وفرنسا، وهو ما يلقي أعباءً ثقيلة على لبنان واستقراره.
لبنان أمام منعطف خطير أتمنى أن يتجاوز الأزمة ويخرج منها محافظا على سيادته ووحدة أراضيه.