الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منظومة الشرا... شيح


يقال والعهدة على الراوى إن حاكما فى العصر القديم كان معروفا عنه المجون وحب الشهوات من النساء والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، أراد أن يمحو عنه هذه الخاصية ويشكك جموع المحكومين فى صحة ما يقال عنه على هذا الصعيد.


وبعد استشارات ومحاورات مع حاشيته فشلوا كلهم فى أن يوفروا له طريقة تمكنه من إصلاح  سمعته التى أصبحت حديث الكل، وعاد الحاكم إلى بيته مهموما يريد أن ينفض عن ثيابه هذه الموبقات العالقة فيه، وهو فى طريقه إلى بيته ومسكنه الملىء بالزوجات والمحظيات وماملكت يمينه؛ شاهد فتاة وهى تمسك بتلابيب رجل وتلعن كل من له صلة، وتصرخ وتلطم خدودها وتشق ملابسها؛ والرجل لايعرف كيف يوقفها ولا حتى الناس المتجمعين فى مكان الحادث قادرين على ذلك.


سأل الحاكم سائقه عما يحدث، فرد عليه أن هذه السيدة تمارس مهنتها! فاستغرب الحاكم وسأله أى مهنة هذه التى تتطلب هذه الطريقة؟ فقال له السائق يامولاى إنها المجرساتية، وكل من يريد أن يفضح شخصا، رجلا كان أو سيدة، يعطى هذه الفتاة أجرها وهى تقوم بالواجب وأكثر.


فى لحظة اختمرت الفكرة فى ذهن الحاكم وفور عودته لقصره المشيد طالب السائق بإحضار هذه الفتاة، واستغرب السائق كيف لكبير البلد وحاكمها أن يسمح لنفسه بأن يلتقى بهذه الحثالة؛ ولكنه لا يملك أن يتناقش مع رئيسه فنفذ ما طلبه فورا وأحضر الفتاة التى كانت ترتعد وتردد كل آيات ومقولات التحصين ودرء الأذى.


وعندما وقفت بين يدى الحاكم ركعت فى الأرض وقبلت قدمه وطلبت العفو والسماح، فما كان من الحاكم إلا أن أمسك بيدها وأوقفها والتقت عينه بعينها فقال لها: لا تخافى أنا عاوزك تعملى اللى بتعمليه بالضبط ولكن بطريقة أخرى، أريدك أن تمحى ما يتناوله الناس من أحاديث عن سوء أخلاقى وفسادى وتردى غرائزى، أريدك أن تجعلى الكل يقول عنى ما قيل عن أولياء الله الصالحين والشاكرين الحامدين، أريدك أن تجعلينى من الصالحين.


ارتبكت الفتاة وهمت بأن ترفض لأنها لم تفعل ذلك منذ امتهانها مهنة التجريس التى تعتمد على القدح وليس المدح، ولكنها خافت من ردة فعل الحاكم وقالت له بدلال الأنثى: ولكنك يا مولاى مطلوب منك أن تساعدنى حتى يصدق الناس كلامى ولا يشككوا فيه، فأجابها على الفور بالموافقة وتنفيذ كل ما تطلبه فى التو واللحظة.


وبدأت الخطة بأن يلتزم الحاكم بالذهاب إلى دور العبادة، والصلاة فى أوقاتها أمام جموع الناس، وإخراج الصدقات، وإيواء الفقراء والمساكين، وغير ذلك من طرق استئثار القلوب والأخذ بالعقول، وفى المقابل هى تتنقل بين البيوت تحكى بالتفاصيل عن ورعه وأخلاقه وحكمته وإنسانيته.


ومع الأيام نسى الناس ما كان يعرف به الحاكم من مساوئ وانحطاط، وصار الكل يتحدث عنه كما لو كان ملكا من السماء أو كائنا شفافا طاهرا.


سعد الحاكم أيما سعادة بما صار عليه حاله ووضعه وحب جموع الشعب له والتفافهم حوله وتمجيدهم له، كان الحاكم يجزل العطاء للفتاة ويعطيها من المزايا ماجعلها تتحرك فى القصر الحاكم والبيت كما لو كانت هى سيدة المكانين، وعندما تحقق له ما أراد وخطط أصبح يتجاهلها ويبتعد عنها ويأمر حاشيته بتحجيمها وتقليص حرية تنقلها وأماكن وجودها، ولم يكتف بذلك بل نزع منها كل ما منحه إياها من مزايا أبان فترة إعجابه بأدائها وفكرها.


ضاق الحاكم بهذه الفتاة وأصبحت تمثل عبئا عليه لأنها تعرف أصول اللعبة وتاريخ المخطط، خاصة أنها تقربت منه لدرجة العشق والآن مل منها ولم يعد بحاجة إليها.


شعرت المجرساتية بان دولتها زالت وأن ملكها يخطط لرميها بعيدا واستبدالها باخرى تليها أخريات يتناسبن مع مراحل نظامه ومتطلباته، وظلت تفكر كيف تنتقم منه، خاصة أنها لم تعد تستطيع أن تعود إلى الشارع وإلى وظيفتها السابقة لأنها اعتادت الرفاهية وعيشة الرقى والبغددة كما يقولون، ففكرت فى طريقة تنتقم من الحاكم فأحضرت طباشير وعندما يحل الظلام تخرج ليلا وترسم على الحوائط ما تعلمه من ماضيه العفن، ومع الوقت استعاد الشعب ذاكرته وأصبح ينكر ما صدقه عن الحاكم واسترجع ما كان يعرفه عنه من كل ماهو سيئ.


هذه القصة تتكرر أحداثها فى كل العصور مع استبدال المجرساتية بوسائل تتناسب مع كل زمان ومكان، ومع أننا لم نعرف ردة فعل الحاكم ضد الفتاة بعدما أعادته مثلما كان، إلا أننا على يقين بأن التاريخ يعيد نفسه ولكن لا أحد يستفيد ويتعلم ويتذكر ولا يقع فى نفس الخطأ.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط