ليس سرًاأن القضية الفلسطينية تقف في مفترق طريق تاريخي صعب، وباتت تواجه مصيرًا مجهولًامنذ أشهر مضت، خصوصًا بعد إغلاق كل قنوات التواصل الفلسطينية مع الجانبينالإسرائيلي والأمريكي منذ الإعلان الإسرائيلي عن ضم الأراضي الفلسطينية، بحيث باتتفرص الحوار واستئناف التفاوض حول أي قضية من قضايا عملية السلام مسألة مستبعدة فيظل المعطيات الراهنة، وليس سرًا كذلك أن هناك تفاقما وتصاعدا في مستويات معاناةالشعب الفلسطيني في الفترة الأخيرة بسبب انسداد جميع آفاق الحل السياسي، وتوقفالدعم المالي الذي تقدمه أطراف دولية عدة لمساعدة الشعب الفلسطيني، وليس سرًا كذلكأن معظم الأطراف العربية والدولية الداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته قد انشغلتبهمومها الداخلية في الآونة الأخيرة بسبب ما ترتب على تفشي جائحة "كورونا"من كوارث وتداعيات وكوارث اقتصادية وخسائر بشرية.
في ظل هذاالواقع الاستراتيجي المعقد الذي يواجه القضية والشعب الفلسطيني، لم يكن أمامالدبلوماسية الإماراتية الباحثة دومًا عن ترسيخ أسس الأمن والاستقرار الإقليميوتعزيز ركائز الأمن القومي العربي والتصدي لمصادر التهديد المختلفة التي تعانيهاالشعوب العربية كافة، لم يكن هناك بديل عن البحث عن احتراق نوعي لهذا الواقع،فالإمارات ليست من الدول التي تبحث عن دور، وقيادتها الرشيدة لا تميل إلى الضجيجوالصخب السياسي والإعلامي بل تركز على ما يضمن أمن ومصالح الشعوب والدول العربيةبغض النظر عما يثيره أعداء هذه الشعوب من مغالطات ومزاعم لم تعد دوافعها ومبرراتهاتخفى على أحد في عالمنا العربي.
الدبلوماسيةفي أحد تعريفاتها المفاهيمية تعني فن الحصول على الحقوق عن طريق التفاوض، وهيأيضًا تلك "الشعرة" الرفيعة التي يجب الحفاظ عليها مع الآخرين والحيلولةدون انقطاعها، وهذا يفسر حرص الإمارات على تفادي انقطاع الشعرة الأخيرة في مفاوضاتالقضية الفلسطينية، حتى لو كانت شبه جامدة أو غائبة أو مغيبة، فخطر انقطاع التواصلوالحوار حول فرص التسوية هو الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل الشعب الفلسطيني. وعندماتتوصل الإمارات وإسرائيل إلى اتفاق يحفظ قنوات الاتصال مع الحكومة الإسرائيلية،التي التزمت بموجب هذا الاتفاق بوقف قرارها ضم الأراضي الفلسطينية، فإن الإماراتتتحرك بهدف دعم الشعب والقضية الفلسطينية والحفاظ على فرص الحل السياسي والسلميوحقوق الشعب الفلسطيني التي تتعرض للضياع بسبب الإصرار على خيارات عقيمة لم تثبتجدوى أيًا منها طيلة العقود السبعة الماضية من هذا الصراع التاريخي، والتي لم يحصلالفلسطينيين خلالها على بعض حقوقهم سوى من خلال طريق المفاوضات والحوار والخطواتالاختراقية التي تمت من خلال مبادرات سياسية كبرى كانت دائمًا تواجه بالتشكيك فيالنوايا وخلط الأوراق من جانب المتطرفين والمتشددين وتجار القضية.
الإماراتدولة عربية مؤثرة تمتلك رصيدًا تاريخيًا هائلًا في دعم المصالح والشعوب والقضاياالعربية، ولا يمكن لها المغامرة بهذا الرصيد بحثًا عن صفقات خاسرة، فهي دولة قيمومبادئ أصيلة لا تبحث عن دور دعائي عابر، ولكنها تسعى لترسيخ أسس الأمنوالاستقرار وتعمل بنوايا صادقة وشفافية تامة مع العرب والعالم، وتوجهاتها لا تخفىعلى أحد، فالإمارات تعادي التطرف والإرهاب وتنظيماته، وتدعم قيم التسامح والتعايشوقبول الآخر وترى في ذلك السبيل الأمثل لضمان التنمية والأمن للشعوب كافة.
وعندماتتوصل الإمارات إلى اتفاق تاريخي مع إسرائيل فهي تتحرك لمصلحة الشعب الفلسطينيوشعوب المنطقة والعالم أجمع، وتضطلع بدور إطفائي في واحدة من أخطر بؤرة التوتروالصراع التي تستغلها تنظيمات الإرهاب والأنظمة الداعمة لها في نشر الفوضىوالاضطرابات في منطقتنا، فهي توظف دورها وإحساسها بالمسؤولية القومية من أجل وأداحتمالات تصعيد العنف في حال تطبيق القرار الإسرائيلي بضم الأراضي الفلسطينية،وتقدم للشعب الفلسطيني وقيادته طوق إنقاذ يحفظ للجميع حقوقهم وينعش فرص التسويةالسياسية للقضية ويخلق فرصا جديدة لعملية السلام التي كاد قرار الضم أن يطلق عليهارصاصة الرحمة.
صحيح أنالإمارات تستثمر رصيدها وإمكانياتها ومواردها السياسية في مثل هذه المواقف الصعبة،ولكنه قدر الإمارات التي تتحمل منذ عام 2011 مسؤوليات جسام في التصدي لمصادر الخطروالتهديد ونشر الفوضى في عالمنا العربي، وهي تمضي في ذلك على درب القائد المؤسسالمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي اتخذ قرار دعم مصرفي حرب السادس من أكتوبر عام 1973 مطلقًا مقولته الشهيرة "النفط العربي ليسأغلى من الدم العربي"، في موقف تاريخي صعب لم تكن خلاله دولة الإماراتالوليدة وقتذاك قد تجاوزت السنتين من وقت تأسيسها، ليبرهن على أن الإمارات هي عضوفاعل ومسؤول في محيطها العربي والمجتمع الدولي.
والتاريخيؤكد للجميع أنه لا يمكن المزايدة على علاقة الإمارات بالشعب الفلسطيني ودعمهاالثابت والمطلق له من أجل الحصول على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في إقامةدولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فالإمارات التي لم تغب يومًا عن مساندةالشعب الفلسطيني في محنته وقدمت له كافة أشكال الدعم في جميع مراحل قضيته العادلة،وظل وسيبقى، التزامها حياله ثابتًا ضمن أولويات سياستها الخارجية، لا يمكن لها،إلا أن تتحرك في النطاق ذاته،حفاظًا علىالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، اقتناعًا منها بأن بناء علاقات ثنائية مباشرة مع إسرائيل سيمكنها من لعب دور فاعل ومؤثر في أمن واستقرار المنطقة بالتعاون مع الدولالعربية الشقيقة، وتشجيع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على الحوار الجاد بحثًا عنتسوية سياسية عادلة للقضية.