يأخذك الحنين لعناق طبيعتها ذلك الشعور بالاطمئنان الذي يغمرك عندما تذهب إلى بيتك القديم، أو تقلب أوراق ذكرياتك أو تطالع صورك مع الأهل.. فرغم الظروف القهرية التى فرضتها جائحة كورونا وباعدت بينها وبين زوارها ومحبيها إلا أن الشغف يهفو إليها بشدة كالرصاصة التى أصابت القلب دون ألم ، ذلك الشعور "النوستالجي" الدفين بالمخيلة و الذى لم يفقد بريقه داخل كل ذاكرة من وطأت قدماه إلى ولاية الخابورة بسلطنة عمان .
ولاية الخابورة بسلطنة عمان حكاية من حكايات الأساطير التراثية ورحلة ملؤها الحنين إلى عبق الماضى فى مشهد فنى جسد كل معانى الزمن الجميل بأصاله حضارته وعراقة أجداده وجذوره الممتدة لآلاف من السنين، تاركًا بصمة لا يمحوها الزمن بل تزداد حضورًا وبريقًا مقاومة إيقاعات التكنولوجيا المتسارعة، كل ركن بها كاللوحة التشكيلية التى تجسد دلالة العمق الحضاري والمعماري، بإطار ثقافي وفني، بأجواء غير تقليدية بأصالة الحياة القروية، وتراث البيوت القروية، وجمال المفردات الريفية، على بساطة وطيبة أهلها وناسها.
ما إن تطأ قدماك للولاية التى تقع فى إحدى ولايات محافظة شمال الباطنة المُطلة على بحر عُمان، حتى يأخذك ذاك الحنين شوقًا، يعزف على أوتار ذكريات العمر، فما تراه العين من مناظر طبيعية خلابة، يشكّل تذكارًا وعنوانًا لجيل الأمس، ودرسًا وشعلة عز لجيل اليوم.
وتمتد ولاية الخابورة من حدود ولاية صحم شمالا إلى ولاية السويق جنوبا بطول 20كم تقريبا ، إلى منطقة الظاهرة غربا ويحدها من الشرق خليج عمان وبعمق يتراوح بين 30كم إلى 90كم تقريبا ويتوسطها الطريق العام، مسقط ــ خطمة ملاحة وتبتعد عن محافظة مسقط حوالي 178كم وعن ولاية صحار 62كم ، وتبلغ مساحتها 2700كم وبها 198 قرية بين ساحلية وجبلية وأخرى على ضفاف الأودية.تشتهر الخابورة بأنها مدينة هادئة تنتشر فيها مزارع النخيل، كما تعدُّ
شعارها يآسر قلب المتوجهين إليها عبر اللافتات التى تحمل شعار الخنجر الفضى ببريقه الآخاذ، الذى يعد إحدى سمات الشخصية العمانية وأهم مفردات الأناقة الرجالية حيث يقال عنه زينة وخزينة وعز لرجال السلطنة، حيث يصنع الخنجر من الفضة الخالصة وبعضه يصنع بطريقة النقش بالقلع التي لا يتقنها الا صانع فنان ، وطريقة التكاسير حيث يزين بخيوط الفضة ، كما تتعدد أنواعه فمنه النزواني والصوري والسعيدي والصحاري وغيرها والاختلاف في الخنجر يأتي من حيث الحجم والشكل ونوع المعدن الذي يصنع منه أو يطلى به ويتألف الخنجر من النصلة ( شفرة الخنجر ) والقرن ( المقبض ) وأشهره المصنوع من الزراف والعاج وهي أثمن ما في الخنجر والصدر ( أعلى الغمد ) وصناعتها تكثر بالخابورة .
الخابورة من الوجهات السياحية المميّزة بالسلطنة؛ وذلك لما تزخر به من معالم وأماكن سياحية جذّابة والتي تتنوع ما بين الجبال والأودية والسهول والأفلاج، هذا بالإضافة إلى المعالم التراثية من القلاع والحصون مثل قلعة البوسعيد، بجانب هدوئها ومناخها المعتدل.
حصن الخابورة
وعن أشهر المعالم السياحية في الولاية حصن الخابورة، والذي يعدُّ من أشهر معالمها، ويقع وسط المدينة على ساحل البحر، وبحكم موقعه بالقرب من بحر عُمان يمكن النظر إليه من مسافات بعيدة من البحر مقارنة بالحصون الأخرى في منطقة الباطنة. ويتكوّن الحصن من المدخل الرئيسي وغرف الحراسة والمخازن وفناء في وسط الحصن يؤدي إلى ارتفاع يصل إلى المساكن العامة للحصن، كما يوجد فيه برج للمراقبة، ويحيط بالمبنى سور وهو مبني من الحجارة والصاروج العُماني القديم».
كما توجد بالولاية أيضًا بعض الحصون الأخرى مثل: قصبية البوسعيد، وحصن فلج بني ربيعة، وحصن الخبت «العين»، وحصن خزام، والبديعة، والهجاري، والغشين، والعقلي، كما تشتهر الولاية بالأسوار مثل: سور الدواحنة، وسور قطيط، وبها العديد من الأبراج مثل: برج الخويرات، والرديدة، وبرج المثار في الغيزين، وخور رسل، وقصبية الحواسنة، وبرج سور قطيط، وبيت القبض بقرية الفرضة، وبرج خزام. كما يوجد بها عدد من الأفلاج مثل: فلج الغيزين وفلج خزام والقصف ونبعان، وبها بعض الكهوف مثل كهف خزام. وتشتهر الولاية بالمساجد الأثرية مثل: جامع الغيزين -ويُعرف أيضًا بمسجد الصبارة، ومسجد الركة».
قرية فلج بني ربيعة
وعن الأماكن التراثية الأخرى توجد القرى التراثية والشهيرة في الولاية «قرية فلج بني ربيعة»، وهي قرية بها آثار ضاربة في التاريخ، وبها حصن يعدُّ ضمن الموروث الوطني، فيه بئر على باب الحصن، كما يوجد فيه مدفع قديم، ويوجد بها فلج يعتمد عليه سكان القرية في ري المزروعات وبساتين النخيل، وقد اكتُشفت فيها قبل فترة فخاريات تعود إلى الحضارة الإسلامية، كما وُجِدت بها عيّنات من الخزف الصيني، كما عُثر فيها على بقايا من أوانٍ مصنوعة من الحجر الصابوني وذلك بالقرب من أحد المدافن، وذلك عن طريق الاكتشافات الحديثة من قِبل وزارة
التراث والثقافة. كما توجد بها بعض المباني القديمة مثل الغرف والصباحات وهي باقية حتى يومنا هذا وشاهدة على عراقة القرية. وكما يُقال إن بهامدافن أثرية يعود تاريخ بعضها إلى العصر البرونزي، أي إلى الألف الثالثة قبل الميلاد».
وادي الحواسنة
يعد الأودية الشهيرة في الولاية، وهو من أشهر الأودية بها، ويمتد من قرية عيص منتهيًا بقصبية الحواسنة، ويصب ماؤه في بحر عُمان. ويمرّ بعدة قرى منها: الغيزين، والقصف، والرويضات، وصدان، وشخبوط، والرويضات، وحجيجة، وسوري، بالإضافة إلى « وادي شافان الذي يعدُّ من الأودية الزاخرة بالمعالم السياحية الرائعة التي جاءت من صنع الطبيعة، كما يتميّز بجريانه على مدار العام وهو يحتضن الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية والسياحية الطبيعية، وأبرزها منطقة القحفة، كما يوجد وادي القحفة، والمحدث، والظليلة، ووادي الحيل الذي توجد به مجموعة مميّزة من القرى أبرزها قريتا الصفاء وبيعيق وأيضًا «وادي الصرمي» الذي يصل إلى ولاية صحم، ومن القرى الواقعة بالقرب منه: الركيكات، وفياء، والسيهرة، وجنح، و«الركة» وهي من أجمل قرى الوادي.
أسواق تراثية
كما تشتهر ولاية الخابورة بالأسواق التراثية والمحال التجارية الرائجة منذ القدم، إذ يعد سوق الولاية القديم المحاذي لشاطئ البحر والذي يقع تحديدا بجانب حصن الولاية من أهم الأسواق ليس فقط على مستوى الولاية وإنما على امتداد الشريط الساحلي لمنطقة الباطنة بأكمله فقد كان بمثابة مرسى للسفن والمراكب التي تأتي الى شواطئ الولاية من كل الجهات محملة بالبضائع والمواد الاستهلاكية كما كان اعتماد سكان معظم المناطق الجبلية والساحلية بالمنطقة عليه في التزود بما يحتاجونه من زاد ومؤن ولا يزال السوق محتفظا برونقه التقليدي القديم.
وكان التجار العمانيون يملكون عددا من سفن تقوم بجلب البضائع من الخارج مثل إيران وزنجبار حيث يستوردون منها الكندل والنارجيل واللبان ومن إيران يستوردون الجوز والكشمش والياس والديزل وغيرها ثم تعود السفن مرة أخرى محملة بالعديد من السلع والبضائع المحلية التي تصدر التمور والليمون والخشب والأسماك وغيرها وكانت لحركة التجارية آنذاك نشطة جدا لأن الباعة من العمانيين فلم يكن هناك منافسة من الوافدين والحارات ليس بها محلات ولا الشوارع سوى هذا السوق المركزي وكان الإقبال كبير من أبناء الولاية من الساحل من المناطق الجبلية من وادي الجهاور وحتى وادي حيبي وكل المناطق الجبلية المجاورة.