قال الدكتورعلى جمعة، مفتي الجهورية السابق
عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن منظومة القيم من باب المطلق، فمفهوم العدل ثابت عبر العصور، وثابت أيضًا
في كل المجالات، فالعدالة الاجتماعية لا يفرق بينها وبين العدالة في القضاء أو في السياسة
أو في الفكر، والخروج عن العدالة في أي مكان أو في أي زمان أو في أي مجال يعد ظلما وزورًا.
وأوضح «جمعة»، عبر صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»، أن هذه الحقيقة البسيطة قد أصبحت محل نظر من خلال عقائد نسبية تمسك بها أصحابها، فرأيناهم يتخلون عن العدل من أجل القوة، أو المصلحة، أو بعض المواقف الشخصية ولا يعدون ذلك ظلمًا بل يسمونه بالواقعية وسياسة الأمر الواقع والمصلحة العليا إلى آخر هذه العبارات التي إن دلت على شيء فإنما تدل على التدليس والغش.
وأضاف عضو هيئة كبار العلماء أن مجموعة النصوص التي تثبت العدل وتقره قطعية تتمثل في قوله – تعالى-: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]. وفي قوله: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [الأنعام:152].
وتابع المفتي السابق: "وقوله- سبحانه-: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» [النساء: 58]، وقوله – عز وجل-: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ » [المائدة: 8]".
وواصل: "ومن السنة قول النبي – صلى الله عيله وسلم-: (لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت، وإذا حكمت عدلت، وإذا استرحمت رحمت)، [الطبراني في الأوسط]، وقوله – صلى الله عليه وسلم-: (الظلم ظلمات يوم القيامة)، [ رواه البخاري]، وكذلك ما يرويه – صلى الله عليه وسلم-عن رب العزة، حيث قال –تعالى-: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعله بينكم محرما)، [رواه مسلم]، لافتًا: " قد سئل النبي – عليه الصلاة والسلام- ما العصبية ؟ فقال: (أن تعين قومك على الظلم،) [رواه أبو داود]، والعدل من أسمائه – تعالى".
واختتم الدكتور على جمعة: "كثيرًا ما يمثل عدم إدراك معنى النسبي والمطلق عائقًا لفهمنا لكثير من المواقف غير المنطقية التي تحدث يوميًا في السياسة العالمية أو في مواقف الدول والعلاقات الدولية؛ بناءً على أننا آمنا بالمطلق وجعلناه مقياسًا للحق، وأننا لا نتصور أن أحدًا من العقلاء يتلون هذا التلون العجيب من النقيض إلى النقيض بدون أي تأنيب ضمير أو مراجعة لتصرفاته، بل إنه مقتنع بما يفعل ماض في ذلك".