يوم التروية هو اليوم الثامن من أيام شهر ذي الحجة، وفيه يذهب الحُجاج إلى منى للمبيت فيها، وهو أحد الأيام الفضيلة؛ فهو من أيام العشر من ذي الحجة، والتي أقسم الله -سبحانه وتعالى- بها في القرآن الكريم؛ لفضلها، وعظمتها؛ قال - عز جل-: « وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ»، ويوم التروية من الأيام التي يكثر فيها ذِكر الله -تعالى-، ويشمل ذكر الله -تعالى- التكبير، والتهليل، والتحميد، والتسبيح، كما أن العمل الصالح في هذه الأيام أفضل أجرًا من الجهاد في سبيل الله -تعالى-؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم: « ما مِن أيَّامٍ العمَلُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللَّهِ مِن هذهِ الأيَّامِ العَشر فقالوا يا رسولَ اللَّهِ ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ إلَّا رجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ».
اقرأ أيضًا: دعاء يوم التروية مستجاب ويفرج الهم
ماذا يفعل الحاج يوم التروية؟
يوم التروية يبدأ بغروب شمس اليوم السابع من ذي الحجة، وينبغي فيه للذي يُريد الحج قارنًا أو متمتعًا أو مفردًا أن يقوم بعدة أعمال وأمور، أبرزها:
1. يُستحب في يوم التروية للذي أحل بالعمرة (المتمتع) أن يُحرم بالحج في وقت الضحى من مسكنه الذي يُقيم فيه فترة الحج، وكذلك الحال لمن نوى الحج من أهل مكة، أما القارن والمفرد فَهُم على إحرامهم الرئيسي؛ حيث إن القارن يقرن بين الحج والعمرة ويستمر إحرامه بينهما، والمفرد يبدأ بمناسك الحج ولا يأتي بعمرة.
أما استحباب الإحرام للمتمتع في يوم التروية فدليله قول جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم-: (فحل الناس كُلُّهم وقصروا إلا النبي - صلى اللهُ عليه وسلم- ومن كان معه هدي، فلما كان يومُ الترويةِ توجهوا إلى مِنى فأهلُّوا بالحج وركب رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم- فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجرَ ثم مكث قليلًا حتى طلعتِ الشمسُ)، فيفعل في إحرامه كما فعل عندما أحرم من الميقات، ويجوز له أن يُحرم من مكة، كما يجوز له أن يُحرم من خارجها.
2. يُستحب للحاج في يوم التروية وقبل الإحرام أن يغتسل ويتنظف ويتطيب إن كان متمتعًا كما سبق بيانه، ويفعل تمامًا ما يفعله الذي يريد الإحرام.
3. يُستحب للحاج يوم التروية أن ينوي الحج بقلبه ثم يبدأ بالتلبية قائلًا: " لبيك اللهم حجا، أما إن خاف ألا يتمكن من إتمام الحج لعائق يعترضه فيجوز له الاشتراط في النية، فيقول: " فإن حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني".
4. أما إن كان يريد الحج عن غيره فينوي بعد أن يقرن اسم الذي يريد الحج عنه فيقول: لبيك اللهم حجا عن فلان ويُسمّيه، أو عن فلانة مع ذكر اسمها، ثمَّ يبدأ بالتلبية قائلًا: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
5. يُستحب للحاج يوم التروية أن يتوجه إلى مشعر منى في فترة الضحى وقبل الزوال، كما ينبغي عليه في هذه الفترة أن يُكثر من التلبية.
6. بعد أن يصل الحاج إلى منى يصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويمكث فيها حتى فجر اليوم التاسع من ذي الحجة؛ فيُصلّي الفجر فيها، وتكون صلاته في منى قصرًا بلا جمع؛ إلا صلاتي المغرب والفجر فإنّهما لا يُقصَران أصلًا، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك في الحديث الذي يرويه جابر -رضي الله عنه- يقول: (فلمَّا كان يومُ التَّرويةِ توجَّهوا إلى منًى فأهَلُّوا بالحجِّ، ركِب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فصلَّى بها الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والصُّبحَ ثمَّ مكَث قليلًا حتَّى طلَعتِ الشَّمسُ).
ويجوز لأهل مكة كذلك القصر في الصلوات الخمس يوم التروية حيث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أم الناس فيه قصرًا، وكان فيمن صلى خلفه أناسٌ من أهل مكة فلم يأمرهم بالإتمام، ولو كان ذلك واجبًا لأمرهم به.
7. يستحب أن يبيت الحاج في منى ليلة يوم عرفة؛ وذلك لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا طلعت شمس يوم عرفة انطلق إلى جبل عرفة مُلبيًا، لما رُوي عن مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي: (أنَّهُ سألَ أنسَ بنَ مالكٍ وهمَا غَادِيَانِ من مِنًى إلى عرفَةَ: كيفَ كنتُم تصْنَعونَ في هذا اليومِ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ فقالَ: كانَ يُهِلُّ منَّا المُهِلُّ فلا يُنْكِرُ عليهِ، ويُكَبِّرُ منَّا المُكَبِّرُ، فلا يُنْكِرْ عليهِ).
فجميع الأعمال التي ذُكرت - ينبغي على الحاج القيام بها يوم التروية- إنما هي على سبيل الاستحباب لا الوجوب، فلو لم يقُم الحاج بشيءٍ منها ثم أحرم يوم عرفة وابتدأ الحج منه فقد جاز حجه، ولكنّه يكون قد خالف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ثبت عنه في الصحيح قيامه بتلك الأعمال كما مرت، فينبغي على الحاج الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليحصل على الأجر التام في الحج، ولكي لا يفوته فضل الاقتداء بالنبي في أعمال يوم التروية وإدراكًا لأجر القيام بها.
تعريف الحج:
الحج في اللغة راجع إلى الجذر اللغوي حَجَجَ، ومعناه: القصد، فيُقال: حَجَجّت فلانًا؛ أي قصدتُه، ورجل محجوج؛ أي مقصود، أما الحج في الاصطلاح الشّرعي: هو قصد بيت الله الحرام والمشاعر المُقدّسة، في وقتٍ مخصوصٍ؛ لأداء أعمالٍ مخصوصةٍ؛ وهي عند جمهور الفقهاء: الوقوف بعرفة، والطّواف بالكعبة المشرّفة، والسّعي بين الصّفا والمروة.
حُكم الحج:
الحج فرض على كل مسلم مُكلف قادر على أداء الحج ومُستطيع إليه سبيلًا، وقد جاءت الكثير من النّصوص الشرعية المؤكدة على ذلك، حيث قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، والإجماع منعقد على أن الحج فرض، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة.
كيفية الحج:
إذا أراد المسلم أداء فريضة الحج، فإن عليه القيام بالخطوات الآتية:
1. يُحرِم المسلم للحج، ويغتسل إن أمكنه ذلك، ويلبس ثياب الإحرام، ويردّد التّلبية بقول: (لبّيك حجًّا، لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك).
2. يخرج الحُجاج إلى مِنى في اليوم الثّامن من ذي الحِجّة، ويصلّون فيها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء قصرًا بلا جمعٍ، ويصلّون كذلك صلاة فجر اليوم التّاسع من ذي الحجة؛ وهو يوم عرفة.
3. يتوجه الحُجاج إلى عرفة بعد طلوع شمس اليوم التّاسع من ذي الحِجة، فيصلون فيها الظُّهر والعصر قصرًا وجمع تقديم؛ أي في وقت صلاة الظهر، ويقفون بعرفة وينشغلون بالذكر والدعاء والتضرّع إلى الله -تعالى-، وعند مغيب الشّمس يتّجه الحُجاج إلى مزدلفة، ويصلوا فيها المغرب والعشاء، ويبيتوا فيها ليليتهم، ثم يصلوا فجر اليوم العاشر من ذي الحِجة في مزدلفة، وإن كان من الحجاج من هو ضعيف ولا يقوى على المزاحمة فله مغادرة مزدلفة إلى مِنى في آخر الليل وعدم انتظار الفجر.
4. ينطلق الحُجاج إلى مِنى مع طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحِجة، فيرمون جمرة العقبة، وذلك بإلقاء سبع حصياتٍ واحدةً تلو الأخرى، ويكبرون الله -تعالى- عند كلِّ رميةٍ، ثمّ يذبح الحُجّاج الهَدْي، وذبحه واجب في حقّ من حجّ متمتّعًا أو قارنًا، ويقومون بعدها بحلق رؤوسهم أو بتقصير شَعْر رأسهم، ويكون بذلك تحلّلهم الأوّل من الإحرام، الذي يُبيح لهم ما كان محظورًا عليهم سوى مباشرة النِّساء.
5. يتجه الحُجاج بعد ذلك إلى الطواف بالكعبة طواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ليكونوا بعد ذلك قد تحلّلوا التّحلّل الثّاني الذي يُبيح لهم كلّ ما كان محظورًا عليهم بلا استثناء.
6. يعود الحُجاج بعد ذلك إلى مِنى، فيبيتون فيها ليلتا الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحِجّة، ويقومون في كل يومٍ من هذين اليومين برمي ثلاث جمرات، وفي كلِ جمرةٍ يرمون بسبعِ حصياتٍ، ليكون الحُجاج بعدها بالخيار بين البقاء حتى اليوم الثالث عشر من ذي الحِجة وتكرار رمي الجمرات الثّلاثة كما كان في اليومين السّابقين، أو التّعجّل والعودة، وذلك كما في قول الله -تعالى-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
7. يطوف الحُجاج بالكعبة المشرفة طواف الوداع إذا أرادوا العودة إلى ديارهم، وبذلك يختم الحُجّاج مناسك الحج ويتمونها.