في يونيو الماضي، وقعت مواجهة خطيرة كشفت عن مدى الاختلال في تماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عندما تناوشت سفن حربية فرنسية وتركية، إثر محاولة فرقاطة فرنسية تفتيش سفينة اشتبهت بأنها تنقل أسلحة إلى ليبيا، بالمخالفة لحظر توريد الأسلحة المفروض من جانب الأمم المتحدة على الأخيرة.
وبحسب مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأمريكية، ألقت هذه الواقعة بين دولتين عضوين بحلف الناتو الضوء على مدى تأثير الصراع حول مستقبل ليبيا على الحلف البلغ عمره 71 عامًا.
وأكدت المجلة أن تركيا هي العقبة الأكبر في طريق تأسيس موقف موحد لحلف الناتو في ليبيا، ورئيسها رجب طيب أردوغان يدعم حكومة الوفاق وميليشياتها من منطلق سياسته الخارجية الصدامية وعدوانيته تجاه مصر، وعلاوة على ذلك فتحركات أنقرة، مثل تزويد ميليشيات الوفاق بطائرات مسيرة ونقل مرتزقة إرهابيين من سوريا إلى ليبيا، تفاقم تعقيد الموقف في الأخيرة وتبعده عن الحل.
وأضافت المجلة أنه لا سبيل لمنع هذا الشقاق الفرنسي التركي من الاتساع إلى درجة تهدد بتصدع الحلف سوى تدخل الولايات المتحدة لوضع حد لأطماع تركيا التوسعية في ليبيا.
ورصدت المجلة المفارقة المتمثلة في عزوف حلف الناتو عن التدخل كجسد واحد لوقف الصراع في ليبيا، بعدما أدى تدخله عام 2011 إلى فوضى عارمة في البلاد أعقبت سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي ومقتل الأخير، أما الآن فإن ليبيا هي التي تهدد بإشاعة الفوضى في أروقة حلف الناتو وتفككه.
وأوضحت المجلة أن التدخل التركي لدعم حكومة الوفاق في طرابلس وميليشياتها بتمويل قطري، لا يحظى بقبول حلف الناتو، لكن مثلما تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011 بناء على طلب من واشنطن، فمن غير المحتمل أن يتم وقف حرب المنافسات بين أعضائه دون مساعدة واشنطن.
وقالت المجلة إن غياب الولايات المتحدة في ليبيا يعني أن أعضاء الناتو لا يفتقرون إلى الوحدة فحسب بل يتشاحنون فيما بينهم أيضًا. ومع أن حادث الفرقاطات الفرنسية والتركية قد مر دون قتال، وجهت فرنسا تعليقات شديدة اللهجة على تحركات تركيا، وقالت "لا يمكن التظاهر بأنه ليست هناك مشكلة في الناتو بسبب تركيا".
وإن كان للولايات المتحدة أن تتدخل لتوحيد موقف الناتو في ليبيا فسيقتضي الأمر منها وضع حد للتدخلات التركية، وبدلًا من إتاحة الفرصة لأردوغان للإفلات من العقاب مجددًا بعد تدخله عسكريا في سوريا والعراق، يتوجب على واشنطن وبقية أعضاء الناتو إجباره على احترام قيم الحلف قبل أن تسوء الأوضاع في ليبيا أكثر مما هي بالفعل.
وتابعت المجلة أنه بالإضافة إلى الدعوة إلى سياسة موحدة لحلف شمال الأطلسي، يجب على واشنطن أيضًا استخدام نفوذها لرعاية تسوية سلمية في ليبيا.
وختمت المجلة بالقول إنه ما لم تتم تسوية الأزمة في ليبيا ووقف التدخلات التركية، فلا يمكن تصور الضرر الذي سيلحق بحلف الناتو، وكما تشكل ليبيا فرصة خطيرة لتمزيق وحدة الحلف فإنها تشكل أيضًا فرصة لإنعاشه وتعزيز تماسكه.