يقال والعهدة على الراوى إن المناضل جيفارا والذى وهب حياته للدفاع عن أصحاب الحقوق المسلوبة، عندما قبض عليه فى مخبأه بعد أن أبلغ عنه راعى أغنام؛ فطلب جيفارا ممن يحاكموه أن يسأل الراعى سؤالا وحيدا، فجىء براعى الأغنام وسأله جيفارا: لماذا أبلغت عنى وسلمتنى لهم مع أننى كنت أضحى بعمرى من أجلك ومن أجل أبنائك وأحفادك؟ فجاء جواب الراعى صادما لجيفارا فقد قال له: حروبك مع من تسميهم أعداء كانت تخيف أغنامى وتعطل مسيرة حياتى وتمنع عنى رزقى، فبكى جيفارا وقال كلمته الخالدة أبلغت عنى وأنا قضيت حياتى كلها فى الدفاع عنك وعن حقك بأن تعيش عيشة كريمة.
ويذكر التاريخ أيضامحمد كريم المناضل السكندرى الذى قاوم الحملة الفرنسية بشجاعة وقوة وكلفها الكثير من حياة جنودها وعتادهم؛ لدرجة أن القائد الفرنسى نابليون بونابرت أمر بمكافأة كبيرة لمن يقبض على محمد كريم وقد كان، وحينما رآه بونابرت واجهه قائلا: يؤسفنى أن أعدم رجلا دافع عن بلاده بهذه الشجاعة والجرأة، ولا أريد أن يذكرنى المؤرخون والتاريخ بأننى أعدم أبطالا يدافعون عن أوطانهم؛ ولذا فقد عفوت عنك مقابل 10 آلاف قطعة من الذهب تعويضا عمن قتلت من جنودى، فرد كريم بأنه لا يملك الكافى من المال ولكن لديه عند التجار ديون تتجاوز مئة ألف قطعة من الذهب، فأجابه بونابرت بأن أعطاه فسحة من الوقت ليحصل أمواله ويفدى نفسه، فذهب كريم مقيدا بالأغلال ومحاطا بالجنود الفرنسيين وهو على يقين بأن من ضحى من أجلهم من أبناء وطنه سيدفعون ما عليهم من دين لإخراجه من حبل المشنقة وربما دفعوا أكثر مما عليهم، ولكن كريم صدم بردة فعل أبناء وطنه فقد تهربوا منه ولم يستجب تاجر واحد بل أنهم اتهموه بأنه كان سببا لدمار الإسكندرية وتدهور أحوالهم الاقتصادية.
حمل محمد كريم خيبته وحزنه وعاد إلى نابليون مخذولا مقهورا مندهشا فقال له الأخير: ليس أمامى إلا إعدامك ليس ردا على مقاومتك لنا ولقتلك جنودى ولكن لأنك دفعت حياتك مقابل أناسجبناء شغلتهم تجارتهم عن حرية أوطانهموعزتها ونصرتها ..فصمت كريم وهو يردد بينه وبين نفسه مقولة كان يقولها أبيهدوما وهى: الثائر لأجل مجتمع جاهل كشخص يشعل النار فى جسده لإضاءةالطريق لأعمى.
وبغض النظر عن مدى صدق القصة من عدمه وعن كون بونابرت فيلسوف وليس مجرد غازى ومحتل وأن جيفارا قتل حزنا من خيانة الراعى قبل أن يقتل من أعدائه، بغض النظر عن كل ذلك إلا أن المغزى الحقيقى يقول لا تدافع عن الجبناء ولا تدفع غاليا لمن ارتضى أن يعيش رخيصا مهانا مسلوب الإرادة، دود الأرض سعيد بتمرمغه فيها وإن نظفته مما هو فيه وجلبته إلى مكان ارقى فلن يسعد بذلك بل ستلاحقك لعناته إلىيوم يبعثون.
من اعتاد العيش فى الجحور لا يتمنى لك أن تكون أفضلمنه حتى لو كنت تسعى لأجلإخراجهمن ظلمات عقله وسراديب قلبه، ظلام عقول أعداءالحرية يحول بين دخول نسائم الصباح الرطبة إلى غياهبهم؛ فهم يفضلون القيد على الحرية ويتعايشون مع القهر على حساب السعادة فى إبداء الآراء والنقاش والجدال ورسم خطوط مستقبل بهية.
إن تضحى بعمرك من أجل عبيد الرضا وأصحابالآراءالقدرية وأن ليس بالإمكان أفضلمما كان أنتفعل ذلك فأنت تجعلجسدك جسرا يهان بأن يمتطيه من ليس لهم أدنى درجات التحرر من العبودية القهرية.
إن تعيش حرا فلا بد أن تعلم جيدا أن الحرية هبة من الله لكل نفس أبية، أنتناضل من أجلتحرير عبيد السلطان وتجار المواقف واستغلال الأديانوإطلاق مسميات براقة أن تفعل ذلك فقد حكمت على نفسك بأن تموت بأيد كارهة للحرية.